أكرمني الرب في فترة خدمتي العسكرية، بأن وجدت نعمة في عيني القائد، فكان يلذ لنا أن نتجاذب أطراف الحديث في نواحي شتى. ورغم أن المتاعب والمصاعب كانت كثيرة، لكن الجلسة مع القائد كانت تهوِّنها. كان يحب أن يسمع مني، ويعرف رأيي، وبدون قصد مني كنت أحشر قول من أقوال الكتاب في حديثنا، حتى فاجئني ذات مرة ونحن نتحدث في أمر ما وبالقول: وما هو رأي الكتاب؟ فصار الكتاب هو الفيصل في كل قضية نتحدث فيها، ورغم اختلافنا البيّن في السن، والعقيدة، والرتبة، فهو ضابط، وأنا فقط جندي، إلا أننا صرنا أصدقاء، وكان يسترشد برأيي في بعض أمور الوحدة. علاقتي بالقائد، سببت لي متاعب مع الآخرين، ظنًا منهم أني أخبر القائد بسلبياتهم وتقصيراتهم، تذكرت كل ذلك في هذه الأيام العصيبة، ففي كل دقيقة نسمع أخبارًا مزعجة كئيبة، والحقيقة ليس لنا قائد نخبره بما نمر به من مخاوف ومصاعب، سوى الرب، نسكب أمامه نفوسنا، ونزرف في محضره دموعنا. في ذات يوم قام هيرودس الدموي بقطع رأس المعمدان لذلك «اجْتَمَعَ الرُّسُلُ إِلَى يَسُوعَ وَأَخْبَرُوهُ بِكُلِّ شَيْءٍ... فَقَالَ لَهُمْ: تَعَالَوْا أَنْتُمْ مُنْفَرِدِينَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ وَاسْتَرِيحُوا قَلِيلاً» (مرقس٦: ٣٠-٣١). لذلك دعونا نخبر قائدنا بكل ما يتعبنا.
نخبره عن المرضى من حولنا: ما أكثر إخوتنا وأخواتنا، في كل العالم، المصابين بفيروس كورونا أو غيره من الأمراض المزمنة. وواجب علينا، وليس فضل منا، أن نصلي من أجلهم كما فعل التلاميذ. فذات مرة «كَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ مُضْطَجِعَةً مَحْمُومَةً، فَلِلْوَقْتِ أَخْبَرُوهُ عَنْهَا. فَتَقَدَّمَ وَأَقَامَهَا مَاسِكاً بِيَدِهَا، فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى حَالاً وَصَارَتْ تَخْدِمُهُمْ» (مرقس١: ٣٠-٣١).
نخبره عن الأخطار المحدقة بنا: ما أكثر المخاطر التي تحملها لنا الحروب، والحرائق، والزلازل والأعاصير، في كل البلاد من حولنا. ومن المحتم علينا أن نخبر الرب بها، كما فعلوا من قبلنا: «فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَأَيْقَظُوهُ قَائِلِينَ: يَا سَيِّدُ، نَجِّنَا فَإِنَّنَا نَهْلِكُ!» (متى٨: ٢٥).
نخبره عن احتياجاتنا: «لَمَّا سَمِعَ الأعمى أَنَّ يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ يمر في الطريق، ابْتَدَأَ يَصْرُخُ وَيَقُولُ: “يَا يَسُوعُ ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!” فَانْتَهَرَهُ كَثِيرُونَ لِيَسْكُتَ، فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيرًا: “يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي”. فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: “مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟” فَقَالَ لَهُ الأَعْمَى: “يَا سَيِّدِي، أَنْ أُبْصِرَ!”» (مرقس١٠: ٤٧-٥١).
نخبره عن حيرتنا وأسئلتنا: «وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلاَمِيذُ عَلَى انْفِرَادٍ قَائِلِينَ: “قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هَذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟”» (متى٢٤: ٣)، أو كما طلب أيوب: «أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي» (أيوب٤٢: ٤).
نخبره عن ضعفنا وفشلنا: «وَلَمَّا دَخَلَ بَيْتًا سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ عَلَى انْفِرَادٍ: “لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟” فَقَالَ لَهُمْ: “هَذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ”» (مرقس٩: ٢٨-٢٩).
وعندما نتعب في خدمتنا ولا نجد ثمرًا علينا أن نخبره كما أخبر سِمْعَانُ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، قَدْ تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئًا. وَلَكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي الشَّبَكَةَ» (لوقا٥:٥).
نخبره عن المتاعب في بيوتنا: «وَإِذَا رَجُلٌ مِنَ الْجَمْعِ صَرَخَ قَائِلاً: “يَا مُعَلِّمُ، أَطْلُبُ إِلَيْكَ. اُنْظُرْ إِلَى ابْنِي، فَإِنَّهُ وَحِيدٌ لِي”» (لوقا٩: ٣٨). «وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةُ: “ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! ابْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا”» (متى١٥: ٢٢).
عن نجاحاتنا وانتصاراتنا: «فَرَجَعَ السَّبْعُونَ بِفَرَحٍ قَائِلِينَ: “يَا رَبُّ، حَتَّى الشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِاسْمِكَ!”» (لوقا١٠: ١٧).
عن آهاتنا لفقدان أحبائنا: «فَقَالَتْ مَرْثَا لِيَسُوعَ: “يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي!”» (يوحنا١١: ٢١).
عن احباطاتنا وخيبة أمالنا: قال الرب لتلميذي عمواس: «مَا هَذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟ فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، الَّذِي اسْمُهُ كَلْيُوبَاسُ: “هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؟”» (لوقا٢٤: ١٧-١٨).
عن قلة حيلتنا وضيقاتنا: «وَبَعْدَ سَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: “الْمَوْضِعُ خَلاَءٌ وَالْوَقْتُ مَضَى. اِصْرِفْهُمْ لِكَيْ يَمْضُوا إِلَى الضِّيَاعِ وَالْقُرَى حَوَالَيْنَا وَيَبْتَاعُوا لَهُمْ خُبْزًا، لأَنْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ”» (مرقس٦: ٣٥-٣٦).
عندما يأتيك ضيف وليس لك ما تقدمه له، لا أقصد ماديًا فقط، ولو أن ذلك مخجل حقًا، لكنه في حاجة لنصيحة وتشجيع وتعزية، فماذا نفعل؟ سوى اللجوء لإله كل نعمة «أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلَهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الذي يعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ» (٢كورنثوس١: ٣-٤).
لذلك ليتنا لا نتردد في أن نخبر الرب بكل شيء.
«لا تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ» (فيلبي٤: ٦). ليتنا نُعلم إلهنا الأمين، باحتياجاتنا قبل أن يعلم الآخرين، آمين ثم آمين.