كان قبطان سفينة ورئيس المهندسين فيها، يتجادلان حول أي منهما وظيفته هي الأكثر أهمية بالنسبة للسفينة. فقررا أن أفضل طريقة لمعرفة الجواب هي أن يتبادلا مركزيهما! نزل القبطان إلى باطن السفينة ليُدير غرفة المحركات، وصعد رئيس المهندسين إلى غرفة القيادة، وأمسك بدفة القيادة! وبعد عدة ساعات من الأعطال والارتباكات، صعد القبطان مُنهَكًا، وثيابه مُلوَّثة بالزيت والشحم، وقال لرئيس المهندسين: “انزل إلى موقعك، لأنني لم أستطع أن أشغِّل محركات هذه السفينة”. وعلى التو صرخ رئيس المهندسين أيضًا، بخيبة أمل: “إني أعلم ذلك؛ فأنا أيضًا محتار من أمري، ولا أعلم كيف أقودها!”
وفي اجتماعات الكنيسة أيضًا قد نُسبّب ونُولّد مشاكل ومتاعب إذا بدأنا نُفكّر بأن المهمة المُوكلة إلينا من الله، هي أهم من أيّة مهمة أخرى، يقوم بها أي مؤمن آخر. إن هذا الأمر قد يُولّد الحسد والمرارة، وقد يُعطّل عمل الرب. ولتفادي ذلك يجب علينا أن نقرّ ونعترف بأن لكل مؤمن موهبة روحية معيّنة، وأن فعاليات الاجتماعات الكنسية يعتمد على تعاون أعضائها، عندما يعمل كل منهم بحسب ما قسم الله لكل واحد، ومن ثم يخدمون تحت راية الرب يسوع المسيح، وقيادة روحه القدوس، وعندئذٍ يعملون معًا في انسجام تام.
وقد تكلَّم الرسول بولس عن هذا الأمر، مُشبِّهًا إياه بالجسد. وهكذا نقرأ عن الكنيسة باعتبارها جسد المسيح، والجسد واحد لكن الأعضاء كثيرة، وهو ما يُحدّثنا أيضًا عن الوحدة مع التعددية؛ الوحدة في الجسد الواحد، والتنوع الذي نجده في مواهب مختلفة، وخدمات مختلفة، وأعمال مختلفة «وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ» (١كورنثوس١٢: ١١).
«فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ، هَكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ. وَلَكِنْ لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَنَا: أَنُبُوَّةٌ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِيمَانِ، أَمْ خِدْمَةٌ فَفِي الْخِدْمَةِ، أَمِ الْمُعَلِّمُ فَفِي التَّعْلِيمِ، أَمِ الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ، الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ، الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ، الرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ» (رومية١٢: ٤-٨).
فكل عضو من الجسد له عمل فريد، يقوم به بواسطة موهبته الروحية. ومكتوب: «لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً، يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضًا، كَوُكَلاَءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ» (١بطرس٤: ١٠)، لذلك ينبغي أن كل مؤمن يعرف الخدمة الُمكلَّف بها من الله ويقبلها بشكر، وكذلك المكان الذي يريده الله فيه، وبالتالي لا يزاحم في خدمة لم يدعُه الرب لها، أو يحتقر خدمة شخص آخر. ولا يجب أن يظن عضو في نفسه الاستقلالية عن باقي الجسد (١كورنثوس١٢: ٢١، ٢٢)، ولا يجب أيضًا أن يظن أحدهم في نفسه عدم الأهمية (١كورنثوس١٢: ١٤-١٩). وتجدر الإشارة أنه كلما تكلَّم الرسول بولس عن ممارسة المواهب الروحية والوظائف الكنسية، فدائمًا يربطها بجسد المسيح، ومسؤولية المواهب المختلفة لبنيان هذا الجسد (رومية١٢؛ ١كورنثوس١٢؛ ١٤؛ أفسس٤).
فليس الجميع مدعوين أن يشتركوا في ذات نوع الخدمة، لذلك فليس الجميع مؤَّهلين بالمثل. إننا نرى هذا المبدأ مُمثَّلًا في دائرة الطبيعة. فالبعض مؤَّهل لمهنة أو وظيفة معينة، بينما آخرون مؤَّهلون لمهَن أو وظائف مختلفة تمامًا. هكذا أيضًا فى المجال الروحي: يُدعى الشخص لدائرة معينة، ويُمنح الموهبة الملائمة لها، بينما يتعين آخر لمهمة مختلفة ويُعطىَ الإمكانيات المناسبة لها؛ ولا يُجنى سوى التشويش لو حاول الأخير تتميم مهام الأول.
«كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ مَوْهِبَتُهُ الْخَاصَّةُ مِنَ اللهِ. الْوَاحِدُ هَكَذَا وَالآخَرُ هَكَذَا» (١كورنثوس٧: ٧). لكن مهما كانت مواهبنا كبيرة أو صغيرة فمن واجبنا أن نستخدمها ونضرمها لخير قطيع الرب «وَلَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا يَشَاءُ» (١كورنثوس١٢: ١١). ولذلك علينا أن نقنع بالمواهب والنصيب الذي حدَّدَه الله لنا، دون ازدراء بمن هم أقل، ولا حسد لمن هم أعلى منا. هناك درجات متعدّدة للنفع والتميز بين المؤمنين. وليس الكل مدعوين لخدمة واحدة: وكيفما كنا نُفضِّل، فيجب أن نكون دائمًا في المكان الذي يريدنا المسيح أن نكون فيه. وكل مَن افتداه الرب، هو عضو في جسد المسيح. والجسد واحد، لكنه يتكوَّن من أعضاء كثيرة، لها وظائف مختلفة ومزوَّدة بتشكيلة منوَّعة من العطايا والمواهب (رومية١٢: ٥-٨)، وليس لأحد أن يختار الخدمة التي يرغبها، بل «قَدْ وَضَعَ اللهُ الأَعْضَاءَ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْجَسَدِ، كَمَا أَرَادَ» (١كورنثوس١٢: ١٨).
على أن هناك ثلاثة أخطار تهدد أعضاء الجسد:
الخطر الأول: والأكثر شيوعًا هو عدم تمييز الخدمة التي يُناط بها العضو، وعدم الاهتمام بحمل أعبائها. هذا هو مرض عدم المُبالاة بمصالح كنيسة الله وعدم التدرُّب، سواء على إدراك أية مواهب ائتمنا الرب عليها، أو على الجدِّ، نحو ما هو أفضل بين المواهب الحُسنى. ويا للخسارة!
الخطر الثاني: الحسد الذي يجعلنا نُقلِّل من قيمة الخدمة التي قُسِمت لنا، ونطمع في خدمة قُسمت لآخرين (١كورنثوس١٢: ١٤-١٧). آه لو علم الأخ صاحب الخدمة البسيطة التي تبدو له كأنها قليلة الأهمية، أن صاحب الخدمة البارزة لا يستطيع أن يستغني عن تلك الخدمة البسيطة، بل «هِيَ ضَرُورِيَّةٌ» (١كورنثوس١٢: ٢٢)، لارتاح ولخدم راضيًا.
والخطر الثالث: الانتفاخ الذي يجعلنا نتفاخر بالموهبة التي أُعطيناها، ونظن أننا بها نستغني عن خدمة الآخرين (١كورنثوس١٢: ٢١-٢٣). فهل نسينا التحريض «لأَنَّهُ مَنْ يُمَيِّزُكَ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ لَكَ لَمْ تَأْخُذْهُ؟ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ، فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟» (١كورنثوس٤: ٧)؛ إن ما لدى المؤمن ليس من عندياته، بل أخذه من الرب، فلا فضل له، ولا سبب للافتخار.
أيها الأحباء: نحن أعضاء في جسد المسيح، وأيضًا «أَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ» (رومية١٢: ٥). نحن للمسيح، ونحن أيضًا لبعضنا البعض، ليكون كل عضو بركة ومعونة للآخر. ولا يقوم كل عضو بأداء عمله بمفرده بالانفصال عن باقي الأعضاء، بل كل الأعضاء تعمل متعاونة معًا، لنمو الجسد وبنيانه (أفسس٤: ١٥، ١٦؛ كولوسي٢: ١٩). فلا يمكن أن أستغني عن أخي الذي هو عضو معي في الجسد الواحد، موَّحدين من الله «لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْضِ» (أفسس٤: ٢٥).
عزيزي: ما هي المهمة التي أوكلك عليها الرب بحسب حكمته؟ اكتشفها والتصق بها، إذ إنها خدمة أعطاك إياها، فكن أمينًا فيها للنهاية.