نُكمل رحلتنا في “جميع الكتب” والتي نقدِّم فيها مقدِّمات لأسفار الكتاب المقدس. وهذا العدد نتحدث عن سفر التثنية، آخر أسفار موسى الخمسة.
قبل أن تقرأ هذه الجولة السريعة في هذا السفر، أشجِّعك أن تقرأ على موقع المجلة مقالات الأسفار الأربعة الأولى في “جميع الكتب” و“سفر مفتوح” مع مقدمة أسفار موسى الخمسة.
أحداث سفر التثنية تقع في الشهرين الأخيرين لرحلة شعب الله في البرية. كان الجيل الأول الذي خرج من أرض مصر قد مات كله في البرية باستثناء موسى وكالب بن يفنة ويشوع بن نون؛ وذلك بسبب عدم إيمانهم أن الرب يقدر أن يعطيهم أرض كنعان!
تاه شعب الرب لمدة ٣٨ سنة في البرية بسبب تذمرهم في قادش برنيع (عدد١٣، ١٤)، وظلوا لفترة طويلة يدورون حول جبل سعير (تثنية٢: ٣)، وما أصعب عدم الإيمان!
كاتب السفر هو موسى رجل الله (٣١: ٩).
أكثر الكلمات تكرارًا هي “اسمع”، “احفظ”، “أعمل”، “بركة” و“لعنة”، كما تكررت كثيرًا عبارات “تحب الرب”، “المكان الذي يختاره الرب”. ويتحدث السفر كثيرًا عن المحبة وعن الفرح، كما يحتل الحديث عن كلمة الله مكانًا بارزًا في السفر.
غرض السفر وموضوعه:
هذا السفر يحوي خمسة خطابات قالها موسى للجيل الجديد من شعب الله وهم على مشارف أرض كنعان، ليذكِّرهم بالماضي حيث ظهرت أمانة الله معهم، ويضع أمامهم بركات المستقبل، ويؤكد أن الطاعة هي طريق البركة.
كما يمكن تقسيم السفر إلى ثلاثة أقسام كالتالي:
ص١–١١ نظرة تاريخية للماضي،
ص١٢–٢٦ قوانين الأرض الجديدة،
ص٢٧–٣٤ نظرة نبوية للشعب في المستقبل.
سفر التثنية له أهمية خاصة؛ حيث أنه أكثر أسفار موسى التي اقتبس منها كُتاب العهدين القديم والجديد، وهو السفر الذي استعمله الرب يسوع في الرد على الشيطان عندما جربه على الجبل حيث رد الرب يسوع بثلاث آيات من سفر التثنية وهي «لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ» (تثنية٨: ٣)، «لاَ تُجَرِّبُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ» (تثنية٦: ١٦)، «الرَّبَّ إِلهَكَ تَتَّقِي، وَإِيَّاهُ تَعْبُدُ» (تثنية٦: ١٣).
على صفحات هذا السفر نتقابل مع الرب يسوع في صور مختلفة، أهمها تثنية١٨: ١٥ حيث تنبأ موسى عن المسيح قائلاً: «يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي»؛ وفي أعمال٣: ٢٢؛ ٧: ٣٧ يؤكد بطرس واستفانوس أن كلام موسى هذا وجد تتميمه في الرب يسوع. كما تشير شريعة القتيل وشريعة المعلَّق على خشبة (ص٢١) للرب يسوع أيضًا، وهناك إشارات عنه في بركة موسى للأسباط (ص٣٣).
بختام سفر التثنية تُختم التوراة والناموس بكل الوصايا والفرائض والأحكام والتي لخصها الرب يسوع في وصيتين هما «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ» (مرقس١٢: ٣٠؛ تثنية٦: ٥) والثانية «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ» (مرقس١٢: ٣١)؛ حيث وردت خمس وصايا من الوصايا العشر متعلقة بمحبة القريب. هذا هو جوهر العلاقة مع الله: المحبة!
لا يُعتبَر سفر التثنية تكرارًا لما سبق وكُتب في أسفار الخروج واللاويين والعدد؛ لأن الحديث هنا لجيل جديد في توقيت جديد ومكان جديد. كما أن السفر يحوي تفاصيل لم تُذكر في باقي الأسفار مثل تحديد المنطقة التي تاه فيها الشعب في البرية وشرائع لم تُذكر في باقي الاسفار مثل القاتل المجهول، المعلَّق على خشبة، الابن المعاند (ص٢١)، المحظور انضمامهم إلى جماعة الرب (ص٢٣).
يحوي أيضًا السفر إشارة فريدة عن نعمة الله المتجهة للأمم في ص٢، حيث حدَّد الرب الأرض التي أعطاها لشعوب أخرى كما كان قد حدد أرض كنعان لشعب إسرائيل.
يوضح سفر التثنية أيضًا - كباقي أسفار موسى الخمسة – رغبة الرب في أن يعبده شعبه، وأول حديث في قوانين الأرض الجديدة في ص١٢ كان عن عبادة الرب، وتكررت في السفر عبارة «المكان الذي يختاره الرب إلهك» ٢١ مرة!
من يقرأ سفر التثنية، يجد الرب وهو يريد أن يدخل في تفاصيل حياة شعبه من مأكل وملبس وعبادة وعلاقات مع الآخرين؛ وبالإجمال قال لهم موسى «لأَنَّهُ هُوَ حَيَاتُكَ» (تثنية٣٠: ٢٠)، كما قال نفس الكلمة عن كلمة الله «هِيَ حَيَاتُكُمْ» (٣٢: ٤٧)!
ومما لا يفوتنا أن نذكر موسى رجل الله، الذي برغم أن الرب حرمه من دخول أرض كنعان في حياته، إلا أنه لم يتذمر على الرب، بل بالعكس قال أحلى الكلمات عن الله في نهاية حياته.
بالنسبة لنا يا صديقي، نحن لنا بركات لا حصر لها، السماويات بكل ما فيها، هذه هي كنعان بالنسبة لنا، هناك بركات نلناها بلا عمل منا، وهناك بركات نتمتع بها فقط عندما نعيش عمليًا في توافق مع أفكار الله.
دمت مستمتعًا بغنى البركات.