أدهشني “كازو” اللاعب الياباني، صاحب الـ٥٣ عامًا، الذي حطم كل الأرقام في موسوعات كرة القدم كأكبر لاعب محترف. كان “كازو” قد حصل على لقب أكبر لاعب يحرز هدفًا في بطولات المحترفين ٢٠١٧، كان وقتها في الخمسين من عمره. وتصور الجميع أنه سيودع الملاعب، لكنه جدَّد مؤخرًا عقده مع ناديه الياباني “يوكوهاما اف سي”.
أصدقائي: ما أجمل أن نحتفظ بشبابنا، حيث القوة والنشاط، المهارات والخبرات، لا شك إنه أحلى الأوقات. والكلمة “شباب” من “شبّ”، فهي قمة اشتعال الطاقة والصحة والنضوج، إنها فترة ربيع العمر، ولا يشعر بقيمتها إلا من فقدها. وحياة الإنسان مراحل ثلاث: الطفولة وفيها يمتلك الإنسان الوقت والصحة، ولكن لا يملك المال. ثم مرحلة الشباب، وفيها غالبًا يملك المال والصحة، ولكنه لا يملك الوقت؛ لانشغاله بجمع المال. وأخيرًا الشيخوخة، إذ يمتلك المال ولكن لا يملك الصحة، ويتمنى عودة الزمن، كما قال أبو العتاهية: “ألا ليت الشباب يعود يومًا لأخبره بما فعل المشيب”.
قال صاحب الـ٥٣ عامًا: “إن سر شبابي الدائم هو التغذية الصحيحة، والنوم المبكر، وممارسة الرياضة، والابتعاد عن التدخين والمخدرات”. وقال: “أنا اليوم كأني في الثلاثين من عمري بنفس الطاقة التي كانت لدي من قبل”. وهذا يذكرنا بشخصية رائعة في كتابنا المقدس الجميل، كان عمره ٨٥ سنة، عندما قال: ليشوع: «كَمَا كَانَتْ قُوَّتِي (أيام موسى) هكَذَا قُوَّتِي الآنَ (بعد ٤٥ سنة) لِلْحَرْبِ وَلِلْخُرُوجِ وَلِلدُّخُولِ» (يشوع١٤: ١١). فحياته البدنية والروحية شباب دائم. إنه “كالب بن يفنة” الذي قيل عنه (٦ مرات) بأنه: «اتًبع الرب تمامًا»؛ شهد عنه الرب ٣ مرات «أَمَّا عَبْدِي كَالِبُ فَمِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَتْ مَعَهُ رُوحٌ أُخْرَى، وَقَدِ اتَّبَعَنِي تَمَامًا، أُدْخِلُهُ إِلَى الأَرْضِ» (عدد١٤: ٢٤؛ ٣٢: ١٢؛ تثنية١: ٣٦)، وقالها هو عن نفسه، وقالها عنه موسى ويشوع. ما أكثر الشباب في هذه الأيام الذين يعانون من الشيخوخة المبكرة وقد «رُشَّ عَلَيْهِ الشَّيْبُ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ» (هوشع٧: ٩). لكن ماذا فعل كالب لكي يحتفظ بشبابه؟
١. اتِّباع الرب من كل القلب
ما يميز “كالب” بطل مقالتنا أنه كان يمشي وراء الرب. واليوم ما أكثر الذين يريدون أن الرب هو الذي يمشي وراء أفكارهم وتعاليمهم! من أحد معاني اسم كالب هو “كل القلب”. وقد تبع الرب فعلاً ومن كل قلبه، فالذي يتبع الرب بعض الوقت، وآخر بعضه، هو كمن يعرج بين الفرقتين (١ملوك١٨: ٢١). «وتَكْثُرُ أَوْجَاعُهُمُ الَّذِينَ أَسْرَعُوا وَرَاءَ آخَرَ» (مزمور١٦: ٤). ما أجمل أن يقول عنا الرب كما قال عن داود بأنه: «حَفِظَ وَصَايَايَ... وسَارَ وَرَائِي بِكُلِّ قَلْبِهِ» (١ملوك١٤: ٨). فالمسيحية ليست فقط هروب من الخطية الشهوة، بل أن نتبع «الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ» (٢تيموثاوس٢: ٢٢). وعن الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يقول بولس لتيموثاوس: «يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ» (١تيموثاوس٤: ١)، «وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ تَبِعْتَ تَعْلِيمِي، وَسِيرَتِي، وَقَصْدِي، وَإِيمَانِي، وَأَنَاتِي، وَمَحَبَّتِي، وَصَبْرِي» (٢تيموثاوس٣: ١٠). أما شمشون الذي لم يسِر وراء الرب، بل سار وراء دليلة، وكشف لها قلبه، فحينها فارقته قوته ونضارته وشبابه.
٢. النظر إلى الرب
انقسم الـ١٢ رجلاً، الذين أرسلهم يشوع ليتجسسوا الأرض ليمتلكوها، إلى فريقين: اثنان هما يشوع وكالب آمنا وصدقا، و١٠ خافوا وبثوا في الآخرين روح الخوف والفشل، ورأوا أنفسهم كالجراد أمام الأعداء، وحرَّضوا الشعب على رجم الرجلين. أما كالب فلم ينظر إلى قوة الآعداء ولم يتأثر بآراء الآخرين، ولو كانوا أغلبية، بل صدَّق الرب، وكان مختلفًا: «لكِنْ كَالِبُ أَنْصَتَ الشَّعْبَ إِلَى مُوسَى وَقَالَ: إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَلَيْهَا» (عدد١٣: ٣٠)، فحسنٌ أن نكون: «نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ» (عبرانيين١٢: ٢).
٣. انتظار تحقيق وعود الرب
«اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّرًا. وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ» (إشعياء٤٠: ٣٠، ٣١). كان لكالب إيمان بتحقيق الوعد، وقال ليشوع: «كَمَا كَانَتْ قُوَّتِي (أيام موسى) حِينَئِذٍ، هكَذَا قُوَّتِي الآنَ لِلْحَرْبِ وَلِلْخُرُوجِ وَلِلدُّخُول
. فَالآنَ أَعْطِنِي هذَا الْجَبَلَ الَّذِي تَكَلَّمَ عَنْهُ الرَّبُّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ» (يشوع١٤: ١١-١٢). فما أجمل أن نطالب الرب بتحقيق وعوده «الْكَلاَمَ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ عَنْ عَبْدِكَ وَعَنْ بَيْتِهِ، وَافْعَلْ كَمَا نَطَقْتَ» (٢صموئيل٧: ٢٥). وقد كان لكالب أيضًا مراده (يشوع١٥: ١٤). وباركه الرب، بل وصار بركة للآخرين.
لقد كافأ الرب من تبعه بالصحة النضرة والعمر المديد والميراث الكثير «إِنَّ الأَرْضَ الَّتِي وَطِئَتْهَا رِجْلُكَ لَكَ تَكُونُ نَصِيبًا وَلأَوْلاَدِكَ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّكَ اتَّبَعْتَ الرَّبَّ إِلهِي تَمَامًا» (يشوع١٤: ٩).
آه، كم من أراضي للامتلاك، بشرط أن تطأها قدم الإيمان لكن لقلة الإيمان تضيع من بين أيدينا. ليتنا نتقدم دون خوف أو تقهقر، ونصعد مع كالب لطرد العمالقة من حبرون. ليساعدنا الرب أن نتبعه من القلب وليس من بعيد، فالذي تبع الرب من بعيد (متى٢٦: ٥٨)، للأسف جلس بين الخدم وبين العبيد، ثم أنكر السيد الحبيب والوحيد. وإن كنا في الواقع لسنا أفضل من بطرس، ولسنا في قوة كالب؛ فباتضاع نتضرع للرب: «اُجْذُبْنِي وَرَاءَكَ» (نشيد١: ٤). يا ليت نفوسنا تتبع الرب، وتلتصق به، وتقترب منه، فنتمتع بالوعد: «يُشْبِعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ» (مزمور١٠٣: ٥). آمين ثم آمين.