يوصف النجاح بأنه القدرة على تحقيق الأهداف المرجوة بكفاءة وفعالية في وقت قياسي. في الحقيقة يختلف مفهوم النّجاح بين الناس؛ البعض يحصره فقط في الأمور الماديّة، أو الشهرة، أو التقاط الفرص المتاحة واستغلالها بمهارة. بالنسبة لكثيرين من الشباب ينحصر النجاح في التفوق الدراسي وتحصيل أعلى الدرجات العلمية. على أيّة حال يتفق الجميع أن النجاح هو القدرة على تحقيق هدف سامٍ وثمين يستحق بذل كل الجهد وكل العمر لأجله. فما هو هذا الهدف الذي تحيا لأجله؟ وهل يتعارض مع مجالات النجاح الأخرى في الحياة؟
النجاح الحقيقي هو النجاح الشامل المتكامل
يجب أن نعلم أن النجاح الحلو الحقيقي شامل وليس في جانب واحد من جوانب الحياة. قد نجد أستاذًا متميزًا في علم من العلوم لكنه للأسف فاشل أخلاقيًا. أو نجد رجل أعمال ناجحًا في مشاريعه لكن حياته العائلية مليئة بالإخفاقات والتقصيرات... الخ. هذا النجاح الشامل نجده واضحًا في حياة يوسف، كما سنرى عندما ننظر إلى النجاح بنظرة شمولية. فالنجاح من جانب واحد فقط هو نجاح مبتور، أما النجاح المتكامل: أي كل جانب يكمل ويقوي الجانب الآخر. قد نجد شخص ناجح كرجل أعمال أو قائد عسكري أو أستاذ في الجامعة لكن المؤسف أننا نراه يخفق في حياته العائلية أو الاجتماعية أو الأخلاقية، أو المهنية والأدبية والروحية والاجتماعية وهكذا... بالنسبة لإنسان الله فإن النجاح المتكامل مرتبط بإتمام مشيئة الله في حياتنا. سنرى أن يوسف كان رجلاً ناجحًا بهذا النوع من النجاح الشامل المتكامل.
٤ جوانب للنجاح الكامل المتكامل
١- نجاح عملي دراسي أو مهني: وهذا معناه إنجاز العمل بجودة وإتقان والتزام.
٢- نجاح أخلاقي: الأمانة والصدق والطهارة والعفة الداخلية التي تظهر في العلاقات مع الآخرين وخاصة الجنس الآخر.
٣- نجاح نفسي: عندما يقبل الشخص كل الأمور من يد الرب فيكون شاكرًا وتخلو حياته من المرارة تجاه أي أحد.
٤- نجاح روحي: يشمل طاعة صوت الرب، مما يحصِّل مجدًا للرب وبركة الآخرين.
بالنسبة للشاب الذي يريد أن يكرم الرب في حياته فهذا هو النجاح المقصود الذي يؤول في النهاية إلى تحقيق مقاصد الله المباركة من حياته. دعونا نستعرض معًا عناصر النجاح الحقيقي الشامل في حياة الشاب المسيحي من خلال التأمل في بعض الشخصيات التي شهد الكتاب عن نجاحهم.
مقومات النجاح الحقيقي في حياة الشاب التقي
أولاً: فهم كلمة الله وطاعتها
النجاح يكون حليفًا للمؤمن الذي يسمع ويعمل بكلمة الله «لاَ يَبْرَحْ سِفْرُ هذِهِ الشَّرِيعَةِ مِنْ فَمِكَ، بَلْ تَلْهَجُ فِيهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، لِكَيْ تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ. لأَنَّكَ حِينَئِذٍ تُصْلِحُ طَرِيقَكَ وَحِينَئِذٍ تُفْلِحُ (تنجح)» (يشوع١: ٨). ربط الرب النجاح في كل عمل بطاعة وصاياه «فَاحْفَظُوا كَلِمَاتِ هذَا الْعَهْدِ وَاعْمَلُوا بِهَا لِكَيْ تَفْلِحُوا فِي كُلِّ مَا تَفْعَلُونَ
» (تثنية٢٩: ٩).
ثانيًا: الانفصال عن الشر والشبع بالرب.
إن أكثر الأجزاء الكتابية التي تصف لنا السبيل إلى النجاح بمفهومه الشامل هو المزمور الأول، لأنه يصف لنا ليس واحد من أتقى رجال الله، لكن يصف لنا الله عندما صار جسدًا وعاش إنسانًا كاملاً، وهو الوحيد الذي يمكن أن يكتب عنه هذا التقرير: «وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ» (مزمور١: ٣). وذلك لأنه انفصل عن الشر ووجد مسرته في كلمة الله وكان متمتعًا بالشركة مع إلهه؛ مصدر الشبع والري الحقيقي. «طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ. لكِنْ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلاً فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ. وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ» (مزمور١: ١-٣).
وشهد الكتاب عن حزقيا «وَالْتَصَقَ بِالرَّبِّ وَلَمْ يَحِدْ عَنْهُ، بَلْ حَفِظَ وَصَايَاهُ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ مُوسَى وَكَانَ الرَّبُّ مَعَهُ، وَحَيْثُمَا كَانَ يَخْرُجُ كَانَ يَنْجَحُ» (٢ملوك١٨: ٦-٧)، «وَأَفْلَحَ حَزَقِيَّا فِي كُلِّ عَمَلِهِ» (٢أخبار٣٢: ٣٠).
ثالثًا: الاتكال الكامل على معونة الرب ومعيته
«وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ فَكَانَ رَجُلاً نَاجِحًا... وكُلَّ مَا يَصْنَعُ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ بِيَدِهِ» (تكوين٣٩: ٢، ٣).
هذه الآية هي من أشهر الأجزاء المعروفة عن سر النجاح الحقيقي الشامل. كان يوسف ناجحًا في عمله وعلاقاته، أيضًا كان ناجحًا نفسيًا وأخلاقيًا. وواضح من شهادة الكتاب أن سر نجاحه هو معية الرب له، أي أن الرب هو مصدر لكل نجاح في حياته. صلى نحميا أن يعطيه الرب نجاحًا في الخطوة الأولى في المشروع العظيم الذي ملأ الرب به قلبه، وهو أن يجد نعمة ورحمة أمام الملك «يَا سَيِّدُ، لِتَكُنْ أُذْنُكَ مُصْغِيَةً إِلَى صَلاَةِ عَبْدِكَ وَصَلاَةِ عَبِيدِكَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ مَخَافَةَ اسْمِكَ. وَأَعْطِ النَّجَاحَ الْيَوْمَ لِعَبْدِكَ وَامْنَحْهُ رَحْمَةً أَمَامَ هذَا الرَّجُلِ. لأَنِّي كُنْتُ سَاقِيًا لِلْمَلِكِ» (نحميا١: ١١). ولما اختبر يد الرب الصالحة عليه تيقن أن النجاح سيكون حليفهم لا بسبب خططهم ولا إمكانياتهم للبناء والصمود أمام الأعداء. كلا، بل لأنه متوقف على معونة الرب لهم «إِنَّ إِلهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ...» (نحميا٢: ٢٠). وهكذا تيقن نحميا أن النّجاح الحقيقي يتحقق بمعونة من الله.
رابعًا: إتمام العمل من كل القلب بالأسلوب والتوقيت الذي قصده الرب
شهد الوحي عن حزقيا، الملك الشاب التقي، أنه لم يكن مثله بين ملوك يهوذا في اتكاله على الرب، لكن أيضًا يشهد أنه كلما شرع في عمل أكمله إلى النهاية وأيضًا كان يعمل بكل قلبه، وهذا سبب من أسباب النجاح في الحياة. «وَكُلُّ عَمَل ابْتَدَأَ بِهِ فِي خِدْمَةِ بَيْتِ اللهِ وَفِي الشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ ليطلب إِلهَهُ، إِنَّمَا عَمِلَهُ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَأَفْلَحَ» (٢أخبار٣١: ٢٠) ما أروع العمل الذي ينبع من قلب ممتلئ بالإخلاص والجدية والالتزام والغيرة على مجد الله.