ترسيم الحدود قانون متعارف عليه دوليـًا، ويوجد قياسات دولية تحدِّد كيف تُقام هذه الحدود. وهذا ما قاله الكتاب المقدس «وَتَرْسُمُونَ لَكُمْ تَخْمًا (أي حدودًا)» (عدد٣٤: ١٠).
والحدود بين الدول تُرسم في ثلاثة أبعاد أو ثلاثة محاور.
البُعد الأول: الحدود البرية
وهذه توضِّح حدود كل دولة مع جيرانها من الجهات المختلفة، فغير مسموح لأي دولة بعمل أي مشاريع أو إنشاءات خارج حدودها وإلا يعتبر تعديًا وكسرًا للقانون الدولي. ومن هذا البعد نرى صورة لسيرنا وسلوكنا في الحياة؛ فلا بد أن نضع حدودًا لسلوكنا. ولكي نلتزم بالقانون الإلهي؛ لنسمع ما يقوله الكتاب في رسالة أفسس ٦ «حَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ». وأيضـًا يحذرنا الكتاب قائلاً: «توجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْتِ» (أمثال١٤: ١٢).
فهذا هو المقياس الصحيح الذي نقيس عليه حدود سلوكنا في هذا العالم فلا بد من ترسيم الحدود.
البُعد الثاني: الحدود الجوية
ويُحدَّد المجال الجوي لكل بلد؛ فلا يمكن لأي طائرة أن تقتحم المجال الجوي لدولة ما دون أخذ إذن بالسماح بالمرور عبر أجواء هذه البلد أو النزول في أراضيها. وفي هذا البعد أيضـًا نرى صورة رمزية لحياتنا الروحية، في طريقة تفكيرنا وتصوراتنا؛ لا بد أن نرسم حدودًا لأفكارنا، وتكون هذه الحدود خاضعة لكلمة الله؛ فكلمة الله تحذرنا من الأفكار الخاطئة «فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ احْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ الْحَيَاةِ» (أمثال٤: ٢٣)، وأيضـًا يقول الكتاب: «اَلْمُتَفَكِّرُ فِي عَمَلِ الشَّرِّ يُدْعَى مُفْسِدًا. فِكْرُ الْحَمَاقَةِ خَطِيَّةٌ» (أمثال٢٤: ٨-٩) وأيضـًا «وَيْلٌ لِلْمُفْتَكِرِينَ بِالْبُطْلِ، وَالصَّانِعِينَ الشَّرَّ عَلَى مَضَاجِعِهِمْ» (ميخا٢: ١).
فلا بد من ترسيم الحدود.
البُعد الثالث: الحدود البحرية
مرتبطة بقوانين البحار وكيفية الإبحار فيها وهذه تنقسم إلى قسمين:
حدود إقليمية:
وهذه المنطقة ممنوع دخول أي سفينة غريبة إلاّ بإذن من البلد المواجهة لهذه المنطقة وإلاّ يُعتبر تعدّيًا سافرًا.
ونحن في حياتنا الخاصة لا بد من وجود حدودٍ إقليمية، أي منطقة خاصة جدًا لنا، وغير مسموح لأي حد (أو لكل من هب ودب) بالدخول في هذه المنطقة. ولا نكون كتابًا مفتوحًا للآخرين وكل الناس تعرف أخبارنا. فليس كل يسألنا عن أمورنا الخاصة نجيبه على أسئلته، بل نقيم له ولنا حدودًا في الكلام والنظرات والانفعالات والمشاعر وردود الأفعال.
أيضـًا من الناحية الأخرى نحترم حدود الآخرين ولا نتلصص عليهم أو نقتحم حدودهم، كما فعل ابن نوح عندما دخل خباء أبيه الخاص «وَابْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلاَّحًا وَغَرَسَ كَرْمًا. وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خِبَائِهِ. فَأَبْصَرَ حَامٌ أَبُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجًا» (تكوين٩: ٢٠-٢٢). وكما حذر الرسول بطرس قائلاً: «فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِل، أَوْ سَارِق، أَوْ فَاعِلِ شَرّ، أَوْ مُتَدَاخِل فِي أُمُورِ غَيْرِهِ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ كَمَسِيحِيٍّ، فَلاَ يَخْجَلْ، بَلْ يُمَجِّدُ اللهَ مِنْ هذَا الْقَبِيلِ» (١بطرس٤: ١٥-١٦). حتى في أثناء خدمتنا وسط قطيع الرب أحيانـًا يأتي إلينا أحد المخدومين وعنده مشكلة ما أو تساؤلات معينة، وأثناء الحديث يستعرض بعض الأمور ويغفل بعضها مثل عدم ذكر أسماء أو أحداث أو بلاد، فلا نقتحم حدود الآخرين الإقليمية وإلا يُعتبر تعدّيًا على خصوصياتهم والدخول في غرفهم الخاصة لكي نرى عريهم.
فلا بد من ترسيم الحدود.
الحدود الاقتصادية
وهي المنطقة التي يتم فيها التنقيب عن الثروات مثل الغاز والبترول، ومسموح فيها لعبور السفن دون إذن من الجهات المختصة ولكن ممنوع لأي سفينة غريبة بالتنقيب عن الغاز أو البترول إلاّ بإذن مسبق.
وفي هذا نرى صورة لحياتنا العملية في البحث عن الرزق ولقمة العيش؛ فلكل منا منطقة عمل يبحث فيها عن لقمة العيش وعن رزقه، فنرسم حدودًا. لذلك فلا نُحَسِّن دخلنا بالطرق غير المشروعة؛ مثل الهجرة الغير الشرعية أو كسر فيزا أو طلب لجوء سياسي أو ديني دون أسباب حقيقية أو الإتجار في الممنوع أو الغش التجاري، كل هذه لا بد من وضع حدود اقتصادية نتحرك من خلالها، كما قال الرب لبطرس «اذْهَبْ إِلَى الْبَحْرِ وَأَلْقِ صِنَّارَةً، وَالسَّمَكَةُ الَّتِي تَطْلُعُ أَوَّلاً خُذْهَا، وَمَتَى فَتَحْتَ فَاهَا تَجِدْ إِسْتَارًا، فَخُذْهُ وَأَعْطِهِمْ عَنِّي وَعَنْكَ» (متى١٧: ٢٧).
فلابد من ترسيم الحدود.
فكيف ترسم حدودك وحدود معاملاتك؟!