عندما نذهب إلى الطبيب يكتب لنا “روشتة” مصنَّفة بأنواع من الأدوية، وكل نوع يكتب عليه الجرعة كمًّا ونوعًا، والعبارة الشهيرة قرص بعد الأكل.
وهذه العبارة تذكرنا بقصة حدثت في العهد القديم، عندما كان داود هاربًا من وجه شاول، وطلب اللجوء السياسي عند أخيش ملك جت وسكن في قرية صقلغ. وفي ذات يوم، خرج داود ورجاله للحرب وبعد رجوعهم فوجئوا بأن جيش العمالقة هجم على قرية صقلغ وأخذ كل ما فيها من نساء وأطفال سبايا وكل الغنائم، وأحرقها بالنار.
وطبعًا كانت صدمة كبيرة لداود ورجاله وفكروا في الهجوم المضاد على جيش العمالقة لتحرير السبايا والغنائم. وأثناء سيرهم في الصحراء وجدوا رجلاً يحتضر، «فَصَادَفُوا رَجُلاً مِصْرِيًّا فِي الْحَقْلِ فَأَخَذُوهُ إِلَى دَاوُدَ، وَأَعْطَوْهُ خُبْزًا فَأَكَلَ وَسَقَوْهُ مَاءً، وَأَعْطَوْهُ قُرْصًا مِنَ التِّينِ وَعُنْقُودَيْنِ مِنَ الزَّبِيبِ، فَأَكَلَ وَرَجَعَتْ رُوحُهُ إِلَيْهِ، لأنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا وَلا شَرِبَ مَاءً فِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَثَلاثِ لَيَال» (١صموئيل٣٠: ١٢).
أكل الرجل ورجعت روحه إليه وبعد الأكل عُرِض الرجل على جهاز الاستخبارات في جيش داود ووجهت إليه أسئلة للكشف عن هويته. «فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: لِمَنْ أَنْتَ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا غُلامٌ مِصْرِيٌّ عَبْدٌ لِرَجُل عَمَالِيقِيٍّ، وَقَدْ تَرَكَنِي سَيِّدِي لأنِّي مَرِضْتُ مُنْذُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ» (١صموئيل٣٠: ١٣).
وهنا نتأمل في هوية الرجل وعلاج داود له:
الجنسية مصري، والوظيفة عبد، وصاحب العمل رجل عماليقي. لكن الرجل العماليقي لم يكن يؤمِّن على عبيده تحت مظلة التأمين الصحي فلم يكن يوجد وقتها؛ لذا عندما مرض هذا الرجل تركه سيده في الصحراء لكي يواجه مصيره المحتوم. وهنا أعطاه رجال داود قرص تين بعد الأكل وعنقودين من الزبيب.
وهذه القصة نرى فيها: قصة الإنسان، وما عملته فيه الخطية، وعلاج الرب له.
أولاً هذا الغلام مصري، ومصر إشارة للعالم، أسسها مصرايم من سلالة كنعان الذي لعنه جده نوح، والإنسان صار تحت لعنة بسبب الخطية.
ثم إن هذا الإنسان صار عبدًا لعماليق، وعماليق من سلالة عيسو (تكوين٣٦) رمز للجسد؛ فهو أول شخص يذكر عنه أنه اشتهى أكلة عدس. لكن بعدها يقول هذا العبد “لما مرضت تركني سيدي”.
ومن هذه القصة القصيرة نستخلص قصة الإنسان وما عملته فيه الخطية والنتائج المريرة التي وصل إليها لكن أيضًا ترى الحل الإلهي لهذه المشكلة.
فهذا الغلام جنسيته مصري، كما ذكر قبل ذلك، وهذا ما أشار إليه داود قائلاً: «هأَنَذَا بِالإثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور٥١: ٥)، فنحن بالطبيعة خطاة بالمولد. «مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ» (رومية٥: ١٢).
لكن أيضًا استعبدنا سيد قاس وهو عماليق الذي عندما نقرأ عنه في كلمة الله نجده يتصف بالشهوة الجسدية والوحشية أي النجاسة والشراسة. فالشهوة الجسدية ظهرت في عيسو الذي كان مستبيحًا «لِئَلا يَكُونَ أَحَدٌ زَانِيًا أَوْ مُسْتَبِيحًا كَعِيسُو، الَّذِي لأَجْلِ أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَ بَكُورِيَّتَهُ» (العبرانيين١٢: ١٦). وأيضًا عماليق الذي حارب شعب الله عند خروجهم من أرض مصر «وَأَتَى عَمَالِيقُ وَحَارَبَ إِسْرَائِيلَ فِي رَفِيدِيمَ» (خروج١٧: ٨). وأيضًا لا ننسى المؤامرة الكبرى التي دبرها هامان الرديء لإبادة شعب الله، وهامان هذا كان أساسه عماليقي. ومن هنا نفهم أن الخطية استشرت في كل الجنس البشري وجعلته مستعبدًا بل وفي حكم الموت كما يقول الكتاب: «وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا» (أفسس٢: ١). بل أيضًا جعلته مستعبدًا كما ذكر الرب يسوع تبارك اسمه قائلاً: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ» (يوحنا٨: ٣٤).
وقد وصل الحال بهذا الرجل أنه مُلقى في الحقل ينتظر مصيره المحتوم، يشبه الرجل الذي وقع بين لصوص وتركوه بين حي وميت «فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: إِنْسَانٌ كَانَ نَازِلاً مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرِيحَا، فَوَقَعَ بَيْنَ لُصُوصٍ، فَعَرَّوْهُ وَجَرَّحُوهُ، وَمَضَوْا وَتَرَكُوهُ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيْتٍ» (لوقا١٠: ٣٠).
لكن تعالوا بنا أحبائي نرى الحل الإلهي - ويا لروعته - الذي نراه في صورة رمزية فيما فعله داود مع هذا الرجل فقد أعطاه خبز وماء.
والخبز رمز للرب يسوع الذي قال عن نفسه «أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلا يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا» (يوحنا٦: ٣٥).
والماء رمز للروح القدس كما قال الرب يسوع أيضًا «مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ. قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لانَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ» (يوحنا٧: ٣٩).
فالإنسان بعد أن يأخذ حياة ممثلة في الخبز، يسكن فيه الروح القدس ممثلاً في الماء.
وكان هذا الرجل مُلقى في الحقل منذ ثلاثة أيام، ورقم ٣ هو رمز القيامة وهذا ما عبّر عنه الكتاب قائلاً: «وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ» (أفسس٢: ٥).
لكن بعد ذلك يقوم داود بعمل الطبيب العظيم ويصرف له روشتة تحتوي على قرص تين بعد الأكل وعنقودين من الزبيب، فأكل ورجعت روحه إليه. وهنا نرى الإنعاش لكي يستطيع أن ينضم للخدمة في جيش داود.
هذه يا أحبائي قصة الإنسان وما أوصلته له الخطية، لكن فيها نرى أيضًا العلاج والحل الإلهي.
أدعوك من كل قلبي إذا كنت مستعبدًا للخطية و“عايش عيشة بطعم الموت”؛ فتعال حالاً للمسيح فيعطيك حياة أبدية ويسكن فيك الروح القدس وتنضم لجيش الخدمة لتحرير النفوس.