«فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا...» (تكوين٢١: ١٤).
«فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا...» (تكوين٢٢: ٣).
العبارة دي اتكررت في حياة إبراهيم مرتين في أصحاحين متتاليين.
المرة الأولى في تكوين٢١
فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا..
وقت ما كان ناوي يصرف هاجر وإسماعيل، بعد اقتراح سارة بإنه يعمل كدة. لكن في الأول يسجل لنا مشاعر إبراهيم على اقتراحها: «فَقَبُحَ الْكَلاَمُ جِدًّا فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِه» (تكوين٢١: ١١). لكن الموضوع انتهى بمجرد ما الله نفسه اتكلم معاه وقاله: «لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَ» (تكوين٢١: ١٢). والحقيقة منعرفش عدَّى وقت قد إيه على إبراهيم في صراعه ده، من وقت كلام سارة لحد ما الله اتكلم، هل ساعات، أيام، أسابيع؟!
لكن بمجرد ما تأكد له الأمر من فوق، اتحسم صراع إبراهيم فورًا، ومنلاقيش غير رد فعل واحد من إبراهيم وهو: «فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا». من غير أي تردد، قام إبراهيم وودّع ابنه إسماعيل اللي كان شاب وقتها.
تقدر تحسم وقت طويل
|
| عدّى عليّ وأنا في صراع
|
تشرق رغم ظلام الليل
|
| وتغيَّر كل الأوضاع.
|
لكن المرة التانية تيجي في الأصحاح اللي بعده (تكوين٢٢)
والأصحاح ده يبدأ بالعبارة «وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيم» (تكوين٢٢: ١). وإيه هي هذه الأمور؟ بعدما إبراهيم ودَّع ابنه اسماعيل، ومفاضلش عنده غير إسحاق، إسحاق العطية المحبوب اللي فضل منتظره سنين وسنين، إسحاق وحيده اللي فيه قَبِل المواعيد، إسحاق اللي المفروض إن إبراهيم حاطط كل أمله ومستقبله فيه.
لكن جاله الأمر الإلهي: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ» (تكوين٢٢: ٢).
وهنا ميسجلش لينا إطلاقًا مشاعر إبراهيم زي المرة الأولى وقت طرد إسماعيل. مع أن المنطق يقول إن المرة دي كانت أصعب كتير من المرة الأولى.
على الأقل المرة الأولى ده كان إسماعيل ابن الجارية مش ابن الموعد. وبعدين كان هيطرده بس مش هيذبحه، يعني هيبعد عن عينيه لكن هيفضل حي، فاحتمال يشوفه تاني في يوم من الأيام! ثم إن إبراهيم كان بالفعل طرد اسماعيل، فمش باقي له غير إسحاق!!
ومع كل ده منقراش المرة دي «فَقَبُحَ الْكَلاَمُ جِدًّا فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ!»، ولا أي إشارة لمشاعر إبراهيم إطلاقًا، لكن يكمل بعديها على طول بنفس العبارة «فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا»!
وهنا نلاقي إبراهيم على أهبة الاستعداد إنه ينفذ كلام الرب بالحرف الواحد... «فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا». ووصل في طاعته للمكان اللي الله قاله عنه، ولما وصل، «بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ الْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ. ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ» (تكوين٢٢: ٩، ١٠).
وهنا ناداه ملاك الرب من السماء، وتكمل القصة زي ما احنا عارفينها. تكمل بإن الله كان بيمتحن إبراهيم مش عشان ياخد منه إسحاق، ولا حتى عشان يشوفه هينجح في الامتحان ولا لأ. لكن عشان يورينا بالفعل واحد ناجح بتفوق، واحد عدى بجدارة في أصعب إمتحان، وهو إن الله أغلى من أغلى حد ومن أغلى حاجة عنده!
وهو ده بالظبط الإمتحان الصعب اللي الله أكد عليه بنفس العبارة مرتين في كلامه لإبراهيم: «فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي... وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ» (تكوين٢٢: ١٢، ١٦).
وأكدّ عليه كمان مرة تالتة بالعبارة: «مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هذَا الأَمْرَ» (تكوين٢٢: ١٦).
وكمان مرة رابعة: «مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي» (التكوين٢٢: ١٨).
العبارات دي الرب مقالهاش لإبراهيم لما بكَّر وطرد إسماعيل، لأنه كان ما زال عنده إسحاق. ولا نسمع إن الرب قالها لإبراهيم وقت ما رفض عطايا ملك سدوم، لأن إبراهيم كان غني ومش محتاج. ولا قالها له لما ترك أرضه، لأنه كان معاه سارة ولوط ابن اخوه. لكن قالها له بس لما أطاع في تقديم الغالي إسحاق.
الخلاصة:
إبراهيم اتردد في المرة الأولى وقبح في عينيه لأنه مكنش لسة الرب اتكلم وقال رأيه في الموضوع، لكن بمجرد ما الله اتكلم، خلاص الموضوع ما كانش يحتمل مع إبراهيم غير «فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا».
لكن المرة التانية مفيش تردد بالمرة، لأنه الأمر من الرب مباشرة، وأيّا كان اللي الله بيقوله، مفيش عند إبراهيم غير رد فعل واحد وحيد هو الطاعة الفورية «فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا».
والسؤال لينا: هل ترددنا في أخذ القرار في أمور معينة، وعدم طاعتنا فيها لحد دلوقتي، وعدم تبكيرنا صباحًا لتنفيذ الأمر، هل ده لأننا لسة مش متأكدين إنه أمر إلهي؟
وهل لما ييجي التأكيد من فوق، والله يتكلم لينا بصوت واضح، هل هنبكر صباحًا وننفذ الأمر؟!
هل كلمات ترنيماتنا بتعبّر فعلاً عن واقع حالتنا!
لما نقوله “بكسر كل غالي عند رجليك، مبقاش في حياتي غالي قدامك”؟
هل صادقين واحنا بنقوله “ولما تشاور، كلامك أوامر، وهامشي وراك مهما كان أو يكون... وطاعتك دي لذة ولو فيها موت.”؟
دي كلمة “هطيعك” ما أسهل أقولها
لكن لما باجي لمحَك الحياة
بلاقي إرادتي تخالف كلامك
وباشعر كأني باصارع معاك.
ساعدني أطيعك برغم المتاعب
وأسيب النتايج عليك مهما كان