عندما قال الرب للتلاميذ: «كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ»، كان يُعلن لتلاميذه ما سوف يحدث بعد ساعات قليلة. لكن للأسف أَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا»، فلقد ظن أنه أفضل من بقية التلاميذ، وهي مشكلة تحتاج إلى علاج.
وعندما قال له الرب: «إِنَّكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ»، كان رده: «وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!» (متى٢٦: ٣٥). وهنا كان لديه ثقة عظيمة في ذاته، وهي مشكلة ثانية تحتاج أيضًا إلى علاج.
سمح الرب بسقوط بطرس لكي يعالج هاتين المشكلتين، ويعرف حقيقة نفسه، وضعفه وفشله، ثم يستخدمه بعد ذلك مع إخوته (لوقا٢٢: ٣٢).
بعد أن قطع بطرس أذن ملخس في البستان، أدرك أنه تسرع في تصرفه، ثم شعر بالخوف والخطر، لأن الذين أتوا للقبض على الرب يسوع كانوا حوالي ٦٠٠ شخص، «حِينَئِذٍ تَرَكَهُ التَّلاَمِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا» بما فيهم بطرس.
ثم رجع بطرس ويوحنا يتبعان يسوع، ثم دخل يوحنا الحبيب مع يسوع إلى دار رئيس الكهنة حيث المحاكمة، «وَأَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ وَاقِفًا عِنْدَ الْبَابِ خَارِجًا»، لذلك كانت تبعيته للرب من بعيد، بحيث إذا نظر الرب خلفه، يراه يتبعه؛ وإذا سأله أحد عن تبعيته للرب ينكر، وكأنه يُمسك العصا من الوسط.
لاحظ يوحنا أن صديقه بطرس غير موجود، «فَخَرَجَ وَكَلَّمَ الْبَوَّابَةَ فَأَدْخَلَ بُطْرُسَ». وبعد أن دخل بطرس من البوابة الصغيرة، قَالَتِ له «الْجَارِيَةُ الْبَوَّابَةُ: أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلاَمِيذِ هذَا الإِنْسَانِ؟ قَالَ ذَاكَ: لَسْتُ أَنَا!». وهذا هو الإنكار الأول. لقد أنكر بالأسف أمام جارية، إن الكذبة الأولى ستقود بالتأكيد إلى الكثير من الكذب وسقطات أخرى. لو جاوب بطرس الجارية البوابة بالصدق لانهزم العدو وسكت عنه. ولكن لما أنكر وكذب، حاد عن الحق، وفقد قوته، وصار فريسة في يد المجرب.
أما الإنكار الثاني فكان على عدة مراحل: شعر بطرس بالارتباك والحيرة، فذهب نحو الدهليز، فرأته جارية أخرى من جواري رئيس الكهنة. فتحرك بطرس إلى الدار، وكان يراقب من بعيد ما يجري في قاعة المحاكمة للرب. أخيرًا وهو قلق وجد الخدام يستدفئون أمام النار، فجلس بينهم يستدفئ. لقد كان الطقس باردًا لكن كانت توجد أيضًا برودة روحية في قلب بطرس، وأراد أن يُخفي نفسه وسط هذا التجمع من الخدام والعبيد، فنظرت إليه الجارية وقالت: «وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ! فَأَنْكَرَ قَائِلاً: لَسْتُ أَدْرِي وَلاَ أَفْهَمُ مَا تَقُولِينَ! فقالت للحاضرين: وَهذَا كَانَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ! فَأَنْكَرَ أَيْضًا بِقَسَمٍ: إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ الرَّجُلَ! وَبَعْدَ قَلِيل جَاءَ الْقِيَامُ وَقَالُوا لِبُطْرُسَ: حَقًّا أَنْتَ أَيْضًا مِنْهُمْ، لأَنَّكَ جَلِيلِيٌّ أَيْضًا، فَإِنَّ لُغَتَكَ تُظْهِرُكَ! فَابْتَدَأَ حِينَئِذٍ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: إِنِّي لاَ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!».
الإنكار الثالث: «قَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَهُوَ نَسِيبُ الَّذِي قَطَعَ بُطْرُسُ أُذْنَهُ: أَمَا رَأَيْتُكَ أَنَا مَعَهُ فِي الْبُسْتَانِ؟، فَأَنْكَرَ بُطْرُسُ أَيْضًا»، لأنه كان خائفًا مما عمله في البستان من استخدام السيف وقطع أذن ملخس، وأنه لا بد أن يدفع ثمنًا غاليًا، «وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ».
بعد أن صاح الديك في المرة الثانية، نظر بطرس إلى الرب، ليرى هل سمعه، فوجد أن الرب ينظر إليه، «فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا».
كان بطرس يعمل حساب الخطر الجسدي، ولم يكن يعمل حساب الخطر الروحي. كان بطرس يظن أنه شجاع وقوي، لكن ثبت له أنه خائف وضعيف.
ما الذي جعل بطرس يسقط وينكر الرب؟
عدة أسباب نذكر منها الآتي:
١. لم يصلِّ في البستان كما أوصاه الرب، لكنه نام، لذلك دخل في التجربة وسقط (متى٢٦: ٤١).
٢. تسرع في البستان واستخدم السيف وقطع أذن ملخس، وكان هذا تصرفًا جسديًا وليس روحيًا (متى٢٦: ٥٢).
٣. تبع الرب من بعيد (متى٢٦: ٥٨).
٤. جلس مع الأشرار في دار رئيس الكهنة (يوحنا١٨: ١٨).
٥. خاف من الذين يقتلون الجسد (متى١٠: ٢٨).
٦. كان يظن أنه أفضل من بقية التلاميذ.
٧. كان لديه ثقة عظيمة في نفسه، متكلاً عليها (متى٢٦: ٣٥).
أعظم درسين هما: نعرف من هو الإنسان؟ ومن هو الله؟ أي نعرف ضعف الإنسان وفشله (إشعياء٢: ٢٢)، وأيضًا نعرف نعمة الله العظيمة التي تقيمنا من فشلنا؛ فلا نثق في أنفسنا لكن في إله كل نعمة.
عندما صاح الديك في المرة الثانية تذكر بطرس كلمات الرب بأنه سينكره، فأهتز في أعماقه، وقال في داخله: هل يراني المسيح؟ فنظر إلى الرب، لكنه وجد أن الرب ينظر إليه (لوقا٢٢: ٦١).
نظر إليه الرب: لم تكن نظرة الغضب والتهديد، بل نظرة الحب والمودة، فكأنه يقول له: ما زلت أحبك بالرغم من إنكارك لي. وإن كانت نظرة مليئة بالحزن والألم على ما فعله بطرس، لكنها مملؤة بالنعمة. إنها النظرة المؤثِّرة والتي أعادته إلى صوابه، فاتجه نحو البوابة مباشرة بعزيمة وقوة لكي يخرج من هذا المكان، لقد انزاح الخوف، ولم يعبأ بالعبيد ولا الخدام ولا الجواري.
فخرج إلى خارج وبكى بكاءً مرًا: كان لا بد أن يخرج، لأنه كان في وسط الأشرار وأعداء المسيح. وكان لا بد أن يبكي أيضًا، لأن كبرياءه قد تحطمت، واكتشف نفسه بكل فسادها. بكى بطرس ساعات طويلة، بدموع ومرارة، وكان الشيطان يعمل بكل قوته ليصيب بطرس بالفشل والإحساس بعدم النفع، لكنه بالتأكيد تذكر كلمات الرب يسوع المشجعة له: «وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ» (لوقا٢٢: ٣٢).
استمر بطرس في بكائه المر حتى ظهر له الرب شخصيًا في يوم قيامته (لوقا٢٤: ٣٤)، ليشجعه ويرفعه من ضيقة نفسه، ثم رد نفسه على بحيرة طبرية (يوحنا٢١). وكانت هذه البداية الحقيقية لاستخدام إلهي مبارك له بعد ذلك، وصار بطرس معرَضًا للنعمة التي تقيم العاثر الذي أنكر، وترده إلى مقامه، وتكلفه بمسؤولية أعظم. وكيف استخدمه الرب بقوة عجيبة يوم الخمسين وربح بعظة واحدة ثلاثة آلاف نفس من اليهود للمسيح، وكيف استخدمه في فتح باب ملكوت السماوات للأمم (أعمال١٠)، وكتب رسالتين ليشجع المتألمين. هذا هو إله كل نعمة، فنثق فيه وحده ونتكل عليه دائمًا.
وللحديث بقية أمين هلال