الرب يسوع كالنذير الحقيقى

يرسم الروح القدس في سفر العدد الأصحاح السادس صورة مباركة لحياة وصفات النذير. والنذير كما نفهم من هذا الأصحاح هو شخص كرس نفسه لله طواعية. ومع أن الكتاب المقدس يحدثنا عن بعض هؤلاء النذيرين، إلا أن الصورة الكاملة لم تنطبق إلا علي شخص الرب يسوع المسيح. فهو الوحيد الذي حفظ عهد انتذاره كاملاً عندما عاش علي الأرض حياة التكريس الكامل لله أبيه وشعاره «ينبغي أن أكون فيما لأبي» (لوقا 2: 49).

كان النذير في العهد القديم يتيمز بثلاث علامات.
أولاً:
«لايشرب خمراً ولا مسكراً، ولا يأكل عنباً رطباً ولا يابساً كل أيام انتذاره» (عدد 6: 3). والخمر في الكتاب صورة للمسرات العالمية والأفراح الأرضية. فهناك في العالم أشياء مسرة وجذابة للطبيعة البشرية. بعضها مرتبط بالفساد والشهوات، والبعض الآخر يأخذ صوراً بريئة مثل التسليات المختلفة والحفلات والعلاقات والصداقات الاجتماعية. وكثيرون يتعلقون بهذه الأشياء ويعتبرونها بهجة الحياة علي الأرض، ويتساءلون ماالضرر في هذا ؟ علي أن النذير لم يكن يمتنع عن أكل العنب مثلاً لأن فيه ضرراً، بل لأنه مكرس لله. وهكذا كان المسيح كالنذير الحقيقى مترفعاً عن كل المسرات التي منبعها هذا العالم، ولم تكن أفراحه مرتبطة بشئ منها. فحتي وهو صبي صغير، في عيد الفصح لم يكن بين الرفقة يشارك أقرانه في بهجة العيد. بل كان في الهيكل فيما لأبيه (لوقا 2: 49). وفي عيد المظال قال لإخوته «اصعدوا أنتم إلي هذا العيد. أنا لست أصعد بعد إلي هذا العيد» (يوحنا 7: 8). لقد كان «في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه كان يلهج نهاراً وليلاً »(مزمور 1: 2). وكان سروره أن يطيع أباه ويتمم مشيئته قائلاً: «أن أفعل مشيئتك ياإلهي سررت» (مزمور 40: 8). وأيضاً «القديسون الذين في الأرض والأفاضل كل مسرتي بهم» (مزمور16: 3). تلك كانت مسراته كإنسان كامل هنا علي الأرض.

ثانياً: كان النذير يرخي شعره. كل أيام انتذاره يربي خصل شعر رأسه (عدد 6: 5) وهو بذلك يأخذ مركز الخضوع. فالشعر الطويل هو مايميز المرأة التي يعلمنا الكتاب أنها يجب أن تأخذ مركز الخضوع (1كورنثوس 11: 15). وقد كان الرب يسوع مثالاً كاملاً في الخضوع. في صباه نقرأ عنه أنه نزل مع يوسف ومريم وكان خاضعاً لهما (لوقا 2: 51). وفي خدمته كان خاضعاً لمشيئة أبيه، مسلماً كل شئ في يديه، متقبلاً كل الأوضاع المعاكسة لمشاعره حتي عندما رُفضت خدمته كان لسان حاله «نعم أيها الآب لأن هكذا صارت المسرة أمامك» (متي 11: 26). لقد كان منكراً لنفسه، لم يطلب قط مالنفسه ولم يسع لكي يرضي نفسه. وفي بستان جثسيماني أظهر كل الخضوع لمشيئة الآب إذ قال « ياأبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك» (لوقا 22: 42). وفي مشاهد المحاكمة والصلب كان «كشاة تساق إلي الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها هكذا لم يفتح فاه» (إشعياء 53: 7). وأخيراً خضع أمام مشهد الموت «وأطاع حتي الموت موت الصليب» (فيلبي 2: 8) إذ نكس رأسه وأسلم الروح (يوحنا 19: 30).

ثالثاً: كان النذير لايتنجس لميت حتي أقرب الأقارب لايتنجس من أجلهم عند موتهم (عدد 6: 7). وهذا ماتميز به شخص الرب يسوع الذي عاش منفصلاً عن الخطاة أدبياً، مع أنه كان يقترب منهم بنعمته المخلصة ومحبته الغافرة. كما أنه لم ينحرف عن طاعته الكاملة في تنفيذ مشيئة أبيه السماوي بسبب أية ارتباطات عائلية أو قرابة جسدية. فهو في خدمته لم يكن يأخذ قراراته من إنسان بل من الآب فقط (يوحنا 2: 4، 7: 3-8). ومرة بينما كان يعلم الجموع قالوا له «هوذا أمك وإخوتك يطلبونك». فأجاب وقال «من هي أمي ومن هم إخوتي .. الذي يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي» (متي 12: 48-50). هذا هو النذير الحقيقي الذي عاش طوال حياته فيما لأبيه، وكل هدفه أن يفعل مشيئته ويتمم عمله. وكان الآب مسروراً به كل السرور؛ شاهداً عنه «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. له اسمعوا» (متي 17: 5).