الفار VAR“» هي اختصار لـVideo assistant referee تلك التقنية المُستخدمَة حديثًا في لعبة كرة القدم والتي تعتمد على الفيديو في التحكيم، وقد تم اعتمادها في أول بطولة رسمية عام ٢٠١٧ وتعتمد هذه التقنية على وجود من ٨-١٢ كاميرا تراقب الملعب ومتصلة بغرفة تحكم ومُراقبة والغرض منها مساعدة حكم الساحة في اتخاذ القرار الأدق في حالات محددة وهي إلغاء أو تأكيد هدف، ركلات الجزاء، البطاقة الحمراء.
ولعلك تتذكر معي هدفًا سجَّله ماردونا باليد واحتسبه الحكم بالخطأ هدفًا صحيحًا، في نهائي أكبر بطولة لكرة القدم وهي كأس العالم بين الأرجنتين وإنجلترا، ولو وُجدَ الفار لما كانت مشكلة فلا أتوقع أن يرتكب أحد الآن خطأ مثل هذا والسبب هو الفيديو الذي يُسجل.
تَخَيَّل معي عزيزي لو كنت تلعب وأنت مُراقَب بالكاميرات! كيف ستكون طريقة لعبك؟ ولو علمت أن الحياة كلها مُراقبَة ليست بكاميرات بشرية محدودة بل إلهية لا تخطئ أبدًا فكيف هي سلوكيات حياتك؟
فيوحنا الرائي أخبرنا لا عن فيديو الـVAR بل عن أعين الله «وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ... خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ» (رؤيا٥: ٦). لاحظ معي أن العين يُعبر عنها بسبع أعين لكمال الرؤية وهي تراقب كل الأرض.
ما أروعها حقيقة تطمئننا أن كل شيء مُراقَب من الله ولكن تجعلنا نتحذَّر لأن كل حياتنا أمامه؛ فالعين الإلهية لا تصور فقط أفعالنا بل أفكارنا! ولا تُسجِل فقط كلماتنا بل دوافعنا أيضًا!!
فالله يُراقب ويسجِل كل شيء وهذا “الكل شيء” «عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا» (عبرانيين٤: ١٣)، بل والأكثر من ذلك أَنَّنَا جَمِيعًا سنُعطي حسابًا في يوم اسمه “كرسي المسيح” حين يقف المؤمنون في السماء لنوال الأكاليل الذهبية على رؤوسهم (رؤيا٤:٤) مكافئة لهم.
وقبل أن نتحول إلى كيفية احتساب المكافأة أرجو ملاحظة الآتي:
أولاً: أن كل عمل البشر سواء مؤمنين أم خطاة سوف يأتي إلى الحساب، ولكن مع اختلاف بسيط أن الخطاة سيقفون أمام «عَرْشًا عَظِيمًا أَبْيَضَ... والأَمْوَاتَ صِغَارًا وَكِبَارًا وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ، وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ... وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ» (رؤيا٢٠: ١١-١٢)، وهذا في دينونة الأموات. أما المؤمنين كما أشارنا فسوف يقفون أمام كرسي المسيح لا للدينونة كمثل الخطاة بل لإعطاء حساب وكالاتهم عن وزناتهم التي أعطاها الرب لهم.
وثانيًا: أن الذي سوف يُحاسب في كل من “كرسي المسيح” و“العرش العظيم الأبيض” هو الرب الديان العادل (٢تيموثاوس٤: ٨) والله الديان (مزمور٥٠: ٦) على الترتيب.
ثالثًا: حسابات الله دقيقة وليست على موازيننا بل كما قال لموسى «بِشَاقِلِ (ميزان) الْقُدْسِ» (خروج٣٠: ١٣) فليس عند الرب محاباة.
والآن دَعنا نتحول إلى قانونية احتساب المكافأة وعلى ماذا نُكافئ؟
يوجد خمسة أمور سنُعطي عنها حسابًا أمام الرب وجميعها تخضع لقانون إلهي هو: «لاَ يُكَلَّلُ إِنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيًّا» (٢تموثاوس٢: ٥) فلنحرص أن يكون جهادنا قانونيًا لننال المكافأة والخمسة أمور كالآتي:
أولًا: أفعال المؤمنين: «لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعًا نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا» (٢كورنثوس٥: ١٠). فكل عمل، صغر أو كبر حجمه، قصر أو طال وقته؛ مُسجَّل. وفي تواصل شخصي أمام كرسي المسيح سوف يكشف لنا الرب - وليس أمام الآخرين - كل ما فعلنا بالجسد قبل الإيمان وليس لغرض فضحنا بل ليستعرض أمامنا عظمة رحمته ونعمته لنا وكيف خلَّصنا، بل وبعد الإيمان أيضًا ليُظهر لنا عمق حكمته في التعامل مع كل ظروف حياتنا، وربما وقتها سنفهم الكثير من تعاملات الرب مع حاضرنا وسنجد الإجابة لكثير من التساؤلات غير المُجابَة الآن؛ عندها سنهتف مُمجدين شخصه وعمله «الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ» (رؤيا١: ٥-٦).
أخي وأختي أضع أمامك دعوة «فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ» (١كورنثوس١٠: ٣١)، وليس الغرض منها فقط الخوف من التسجيلات الإلهية بل لنسعى لتمجيد الله ونوال الأكاليل السماوية.
ثانيًا: أعمال خدمة الرب: «فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِرًا لأَنَّ الْيَوْمَ (كرسي المسيح) سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ، وَسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ» (١كورنثوس٣: ١٣). الرب لا يسجل عمل الخدمة فقط بل نوعيتها أيضًا وسيُخضعها للنار المُميزة فلو كان ذهبًا، فضة وأحجار كريمة سينال مكافئة وإن كان خشبًا، قشًا، وعشبًا سيحترق دون مكافئة.
أدعوك عزيزي لتضع خدمتك أمام الرب ليكشف لك من هنا لئلا يكون تعبنا باطلاً ولا ننال مكافئة.
ثالثًا: الدوافع: «إِذًا لاَ تَحْكُمُوا فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ، حَتَّى يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَدْحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ اللهِ» (١كونثوس٤: ٤-٥).
في يوم قادم سوف يكشف الرب الدوافع والآراء وكل ما هو مخفي عن الأعين، قارئي الحبيب أتوسل إليك أن تصلِّ معي “امتحني يا إلهي ونقِ دواخلي ليكون لي المدح على كل دوافعي”.
رابعًا: الكلمات: «إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ. لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ» (متى١٢: ٣٦-٣٧). الذي وضع هذا القانون هو الرب نفسه فلا مجال للتشكيك، أشجعك أن تضع لفمك قانونًا وهو أن تكون كلماتك غرضها أن تعطي للسامعين نعمة (أفسس٤: ٢٩)، سواء كانت خارجة من فمك أم ما تشاركه عبر الفيس بوك.
خامسًا: الإختبارات الخاصة: «وَأَمَّا أَنْتَ، فَلِمَاذَا تَدِينُ أَخَاكَ؟ لأَنَّنَا جَمِيعًا سَوْفَ نَقِفُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ... إِذًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا سَيُعْطِي عَنْ نَفْسِهِ حِسَابًا ِللهِ» (رومية١٤: ١٠-١٢). في هذا الجزء كان يتكلم الرسول بولس عن الأكل أو الامتناع عنه، اعتبار يوم أو عدمه؛ فكل شخص يفعل ذلك في عشرة مع الله كاختبار شخصي أو تدريب بينه وبين الرب فهذا سوف يُمتحن هل كان لمجد الله أم لتمجيد الذات.
أخيرًا إن كان اللاعبون يسعون لتجنب الخطأ لينالوا إكليلاً زمنيًا يفنى، فكم يكون اجتهادنا في الحياة الروحية لننال إكليلاً أبديًا لا يفنى؟ (١كورنثوس٩: ٢٥) «لِذلِكَ نَحْتَرِصُ… أَنْ نَكُونَ مَرْضِيِّينَ عِنْدَهُ» (٢كورنثوس٥: ٩).