ظاهرة رديئة وقميئة جدًا تلك التي توجد في شوارعنا في مناسبات الزفاف، حين تجوب سيارة العروسين، وما يتبعها من سيارات “المعازيم”، ليس بالسارينة الشهيرة (بيب بيب... بيب بيب بيب)، لكن بالحركة الجديدة عبر السير في حركة ملتوية “زجزاج” احتفالاً بزواج العروسين التاريخي!!
والحقيقة أن رؤية هذه الظاهرة وأنت سائر على قدميك، تختلف تمامًا عن رؤيتك لها وأنت تقود سيارة خلف هذا الموكب؛ فيعطلونك، ويوترونك، وقد يصطدمون بك، ولا تجرؤ أن تقول لهم كلمة عتاب أو لوم، لأنك في هذه الحالة تكون هادِم المسرَّات ومُكدِّر الأفراح.
وبملاحظتي لهذه الظاهرة – كقائد سيارة حديث – استرعى انتباهي أمرين، أشاركك عزيزي القارئ بهما، وبدرسين هامين منهما:
من أخطأ في واحدة
الملاحظة الأولى، أن السيارات التي تسير في “زجزاج” الفرح هذا، تنير زِر الانتظار لديها؛ لكي ينتبه من ورائها أنهم في فرح، وأنهم قد يتوقفوا في أي وقت وبأي مكان، وهذا دليل على احترامهم لحق السائق والمجتمع عليهم!!
وهذا تناقض عجيب جدًا، لأن الأولى بك أن تحترم قانون المرور الأصلي وتسير مستقيمًا، أفضل بكثير من أن تحترم قانون فرعي وتُطوعه لخدمة أغراضك وإراحة ضميرك.
وفي الواقع فإن هذا النهج ينتهجه كثير من البشر؛ فيسرقون وينهبون ولكن يحافظون على مواعيد الصلاة، ويشتهون ويزنون ولكن يقدمون صَدقات وعشور، ويحفظون طقوس وعادات، ولكن يعبثون فسادًا في بيوتهم وأعمالهم.
ولكن حاشا أن ينجح هذا المنهج الأعوج مع الله المستقيم، لذا يقول الرسول يعقوب لليهود الذين يسلكون بنفس الفكر: «لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ. لأَنَّ الَّذِي قَالَ: لاَ تَزْنِ، قَالَ أَيْضًا: لاَ تَقْتُلْ. فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّيًا النَّامُوسَ» (يعقوب٢: ١٠، ١١)، فلا يمكن للإنسان أن يختار ما ينفذه من القانون (الناموس)، ولكن يجب عليه أن يُنفذ الكل وإلا صار مُتعديًا للكل.
وهنا تكمن أهمية بر المسيح للإنسان المختبئ فيه «فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ، مَشْهُودًا لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ» (رومية٣: ٢١)؛ فالمسيح لم يتفادَ فقط تعدي أي وصية من الناس، لأنه «لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ» (١بطرس٢: ٢٢)، لكن شُهد عن المسيح من الناس أنه «عَمِلَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَنًا!» (مرقس٧: ٣٧)، والشهادة الأعظم من الله؛ حين انفتحت السماء أكثر من مرة، وسمعنا الصوت: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (متى٣: ١٧؛ ١٧: ٥)، فقد صار مَنفذًا للكل، وفوق الكل.
أعوج في زمن صعب
أما الملاحظة الثانية، أن هذه الظاهرة الرديئة، ليست فقط في الشوارع الداخلية للمدن، ولكنها توجد على الطرق السريعة، وعلى مطالع الكباري، وهو أمر عجيب، لأن هذه الطرق لا ترحم من يسير وهو مستقيم، فما بالك والسيارة تسير متلوية؟
وهنا درس روحي هام، مرتبط بالأيام الغامقة التي نعيش فيها؛ والتي فيها تحديات لم تواجه أي جيل؛ جائحة وموت وانهيار وخوف وفقدان أمل، ولكن مع ذلك، فكثيرون يقررون أن يسيروا بالتواء في الأيام الملتوية أصلاً!! ففي الأيام السهلة والمريحة، يمكن أن يسلك الملتوي في طرق الحياة ويّخبئ شروره فيها، لكن في الأيام الصعبة لا يصمد هذا الالتواء، ويُكشف هذا الإنسان أمام إلهه وأمام الناس وأمام نفسه.
وهنا نلتفت لما قاله المسيح في نهاية موعظته الشهيرة على الجبل: «فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذلِكَ الْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ. وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُل جَاهِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا!» (متى٧: ٢٤-٢٧).
ففي الحالتين ستأتي الرياح وينزل المطر ويصدم البيوت، ولكن النتيجة تختلف على حسب نوع أساس البيت؛ فإن كان مؤسَّسًا على الصخر سيصمد أمام كل هذه العوامل الهدَّامة، وإن كان مبنيًا على الرمل بدون حفر وتعميق للتربة، فسيسقط أمام الجميع، وسبب السقوط العظيم ليس فقط انهياره السريع، ولكن صورته التي كُشفت بعد أن كان يثير الإعجاب.
عزيزي القارئ، إليك خبرين أحدهما سيء والآخر جيد؛ الخبر السيء أن الأيام الملتوية ستزداد قتامة، وإن تخلصنا من كورونا ربما سيأتي الأردأ منها. ولكن الخبر الجيد، أن أمامك المسيح؛ برًا كاملاً يسترك، وصخرًا كاملاً تؤسس عليه حياتك وأسرتك ومستقبلك، وعلينا أن نسير في الأيام الملتوية بالاستقامة الإلهية، وليس بزجزاج الأفراح الدنيوية.