لغة اليقين والثقة التي يقولها كل مؤمن حقيقي بالرب يسوع المسيح. ليس اعتمادًا على فَهم وذكاء وعلم بشري، ولا ادعاء بالأفضلية عن الآخرين؛ بل علم وثقة مصدرهما هو إعلان الله المدوَّن في الكتاب المقدس الموحى به من الله، وكَتَبه أُناس الله القديسون مَسوقين من الروح القدس. وسبق أن أشرنا في مقال سابق أن عِلمنا ومعرفتنا تشمل الماضي والحاضر والمستقبل.
فعن الماضي يقول كل مؤمن مستندًا على كلمة الرب «نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ» (١يوحنا٣: ١٤). فكل إنسان ميت بالذنوب والخطايا (أفسس٢: ١). لكن عند إيمانه بالرب يسوع الذي مات من أجل خطايانا، ينتقل هذا الإنسان من الموت إلى الحياة، والدليل الأول الذي يظهر في حياته الجديدة أنه يحب إخوته المؤمنين، بل ويحب كل الناس حتى الذين يقفون في صف العداء منه. هذا هو اليقين من جهة الماضي.
الحاضر وما نعلمه عنه
«وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ» (رومية٨: ٢٨). عندما لا يتكلم الله فمن الجهل أن يَدَعي الإنسان أنه يعلم ويعرف ويخرج على الناس بإعلان من عنده. وعندما يتكلم الرب فمن الكبرياء أن نَدَعي الجهل، بل علينا أن نسمع ونفهم. ورومية٨ يشير إلى الأشياء ثلاث مرات. فيبدأ الأصحاح وينتهي بلا شيء، وفي وسطهما كل شيء. والثلاث مرات يكلمونا عن الماضي والحاضر والمستقبل. فعن ماضينا وخطايانا وعقابنا الذي كنا نستحقه يكتب الرسول «إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ». لأن من قبلوا شروط المصالحة مع الله بيسوع المسيح قد تأكدوا بأن خطر الدينونة قد ذهب عنهم وأنهم يقدرون أن يعيشوا بسلام عالمين أن الله لن يدينهم في اليوم الأخير. وينهي الأصحاح بما يخص المستقبل ويذكر أنه لا شيء يقدر أن يفصلنا عن محبة المسيح. أما عن الأشياء التي تخص حاضرنا فيذكر الآية موضوع تأملنا.
نحن نعلم ويقين الإعلان: إن لغة اليقين هنا مبنية على الإعلان الإلهي المُسَجّل في الكتاب المقدس لنا. يكتب الرسول بولس لتيموثاوس «يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ» (٢تيموثاوس١: ١٠). فبالإنجيل صارت حياة المؤمن في نور وواضحة وغير متروكة للصدف أو الظروف. وإن كنا كمؤمنين غير معفيين من مصاعب الحياة لكن لنا في الكتاب ما يطمئن قلوبنا.
قد لا أعلم: صحيح هناك أمور أمامها نقول “لا أعلم”. فعندما نمُر بضيقة أو تجربة لا نعلم متى ستنتهي؟ كما صلى يهوشافاط وقال للرب: «يَا إِلهَنَا أَمَا تَقْضِي عَلَيْهِمْ، لأَنَّهُ لَيْسَ فِينَا قُوَّةٌ أَمَامَ هذَا الْجُمْهُورِ الْكَثِيرِ الآتِي عَلَيْنَا، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا نَعْمَلُ وَلكِنْ نَحْوَكَ أَعْيُنُنَا» (٢أخبار٢٠: ١٢). اليقين هنا أن الرب يعلم، ويعرف أن ينقذ الأتقياء من التجربة.
أن الله يجعل: لنقرأ الآية هكذا «وَنَحْنُ نَعْلَمُ – أن الله يجعل – كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ الله». وهنا نرى أن الله يعلم ويعمل ويجعل. إنه ليس هناك في سماه لا يرى ولا يسمع ولا يعمل. لا الأشياء ولا الظروف ولا الناس تجعل... بل الله هو الذي يجعلها تعمل.
كل الأشياء وسلطان الله: فالأشياء ليست هي الفاعل بل مفعول به من الله صاحب السلطان على كل شيء. قال الرب يسوع مرة للتلاميذ: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ» (متى٢٨: ١٨). فالأشياء لا تعمل من ذاتها لكن الله المتحكم فيها يجبرها ويجعلها تعمل مقاصده هو.
تعمل معًا وروعة إتقان الله: عند إجراء بعض التجارب العلمية نجد أن بعض المواد إذا جمعناها يكون لها فاعلية أقوى من فاعلية كل عنصر بمفرده. فالأشياء المُرّة والحلوة، الضيق والوسع، الصحة والمرض، الفقر والغنى... الله يمزجها معًا ويجعلها تتناغم وتعمل لتحقيق قصده فينا.
تعمل للخير، الغرض والغاية: واضح أن الأشياء التي تأتي من الإنسان أو الشيطان على المؤمن هي شر، لأن الله لا يعطي إلا الخير. فالإنسان يعمل كل شيء بحسب إرادته وبالانفصال عن الله، وهذا هو الشر. لكن الله يحولها للخير. ولنا في أيوب مثال لهذا، فالشيطان جعل قلبه عليه وحرك عليه السبئيون والكلدانيون وريح شديدة على بيت أولاد وبنات أيوب؛ فجرّده من كل ممتلكاته ومات أولاده وبناته. طبعًا هذا بسماح من الرب. ولكن الله يحولها للخير، فنقرأ قول الكتاب «قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ» (يعقوب٥: ١١).
ولنا أن نرى أن الخير هنا ليس فقط فيما رده له الرب، بل بالأولى في قول أيوب للرب: «بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ» (أيوب٤٢: ٥، ٦). لقد رأى أيوب الرب بدلاً من أن يسمع عنه. رأى يده في كل شيء، رأى محبته وحنانه ورحمته... وهل هناك خير أفضل من هذا؟!
الذين يحبون الله: الكتاب المقدس يعلن لنا أن الله يحب الجميع «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يوحنا٣: ١٦). لكن ليس الجميع يحبون الله، بل محبة العالم والأشياء التي فيه هي التي تملأ قلوب الناس «لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ» (١يوحنا٢: ١٥). لكن من تمتع بمحبة الله لا بد أن يحبه «نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً» (١يوحنا٤: ١٩).
صديقي: إن إيمانك بالرب يسوع الذي أحبك ومات لأجلك، يعطيك يقين وثقة في كل ما تكلم به ودوَّنه لنا في الكتاب المقدس. ويعطيك سلامًا وانتظارًا وصبرًا في وسط مشاهد شر الإنسان والشيطان وأنت تعلم أن الآب المحب سيحول هذه الأشياء، وفي وقته، لخيرك.