إن كان خداع الإنسان للآخرين أمرًا خطيرًا، فإن خداع الإنسان لنفسه هو الأشد خطورة. في حديث الرب في الموعظة على الجبل، ركَّز على السلوكيات المسيحية الراقية التي لأولاد الله. ولذا حذر أكثر من مرة من الخداع والمُخادعِين، سواء من الذين يخدعون الآخرين في ثياب الحملان بمظهرهم الخارجي دون الجوهر الداخلي، أم الذين يخدعون أنفسهم بأمور دينية شكلية دون إيمان قلبي حقيقي. وقد صرح الرب بهذا التصريح المخيف قائلاً: «لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ»
(متى
٧:
٢١).
أولاً: ماذا يقصد المسيح بقوله ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات؟
١. قصد المعجبين فقط: هذا الكلام قاله المسيح بعدما أن تبعته جموع كثيرة «فَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْجَلِيلِ وَالْعَشْرِ الْمُدُنِ»
(متى
٤:
٢٥). فقد كانوا يتبعونه فقط لأنهم رأوا الآيات والمعجزات.
٢. مجرد الاعتراف بالفم وحده لا يكفي، لا بُد من البرهان العملي: صحيح أن الاعتراف بالمسيح ربًا ومُخلصًا هو أمرًا أساسيًا لنوال الخلاص «لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ»
(رومية
١٠:
٩)، لكن الاعتراف الشفهي دون ثمار لا ينفع. هناك من يتكلمون فقط قيل عنهم: «يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَلكِنَّهُمْ بِالأَعْمَالِ يُنْكِرُونَهُ، إِذْ هُمْ رَجِسُونَ غَيْرُ طَائِعِينَ، وَمِنْ جِهَةِ كُلِّ عَمَل صَالِحٍ مَرْفُوضُونَ»
(تيطس
١:
١٦). الإيمان بالمسيح كمخلص ورب لا بد أن يظهر في ثمار عملية حلوة. هذا ما ظهر في شاول الطرسوسي عندما قال: «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟». لنحذر أحبائي من مجرد التشدق بالشعارات الجميلة والترانيم العذبة دون توبة قلبية مصحوبة بثمار القداسة العملية.
ثانيًا: الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات.
تُرى ما المقصود بعمل إرادة الآب الذي في السماوات؟
١. الإيمان بالرب يسوع المسيح: فيقول: «هَذَا هُوَ عَمَلُ اللَّهِ: أَنْ تُؤْمِنُوا بِالَّذِي هُوَ أَرْسَلَهُ»
(أي العمل الذي يريده الله
)... لأَنَّ هَذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الاِبْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ»
(يوحنا
٦:
٢٩،
٤٠).
٢. رفض العالم والعيشة لمجد الله: «وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ»
(١يوحنا
٢:
١٧)، ليست العيشة بفكر العالم بل كما يريد الآب. ما أروع شهادة الآب عن الرب يسوع «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا»
(متى
١٧:
٥).
ثالثًا: مصير المتدينين المرعب!
كشف الرب يسوع في حديثه عن المفاجأة المرعبة التي تنتظر المتدينين قائلاً: «كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟»
(متى
٧:
٢٢).
دعونا نلاحظ ثلاثة أمور في قول الرب:
١. المخدوعون كثيرون: للأسف، تمامًا مثل ما قال الرب يسوع عن الذين يدخلون من الباب الواسع إنهم أيضًا كثيرون.
٢. المسيح هو الديان: «يقولون لي» لأن الآب لا يدين أحد بل قد أعطى كل الدينونة للابن وسيتم ذلك يوم الوقوف أمام المسيح الديان للأحياء والأموات.
٣. تنبأوا وأخرجوا شياطين وهلكوا، كيف؟
بالرجوع لكلمة الله نجد أن هناك ثلاثة تنبأوا وذهبوا إلى الجحيم!
بلعام: تنبأ قائلاً: «أَرَاهُ وَلكِنْ لَيْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ وَلكِنْ لَيْسَ قَرِيبًا. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ، فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ، وَيُهْلِكُ كُلَّ بَنِي الْوَغَى»
(عدد
٢٤:
١٧).
شاول: «فَخَلَعَ هُوَ أَيْضًا ثِيَابَهُ وَتَنَبَّأَ هُوَ أَيْضًا أَمَامَ صَمُوئِيلَ، وَانْطَرَحَ عُرْيَانًا ذلِكَ النَّهَارَ كُلَّهُ وَكُلَّ اللَّيْلِ. لِذلِكَ يَقُولُونَ: أَشَاوُلُ أَيْضًا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ؟»
(١صموئيل
١٩:
٢٤).
قيافا: «بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ»
(يوحنا
١١:
٥١).
وهل ممكن أن الشخص يخرج شياطين ثم يهلك؟
دعا الرب يسوع الاثنى عشر وأعطاهم سلطانًا، ومنهم يهوذا الإسخريوطي، قائلاً لهم: «اِشْفُوا مَرْضَى. طَهِّرُوا بُرْصًا. أَقِيمُوا مَوْتَى. أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ»
(متى
١٠:
١-
٨). فلقد استخدم أولئك المتدينون اسم الرب يسوع لإخراج الشياطين لكن هم لم ينالوا حياة حقيقية من المسيح!!
رابعًا: دينونة المخدوعين الرهيبة
١. فحينئذ أصرّح لهم أني لم أعرفكم قط، ليس المهم ما نقوله نحن عن أنفسنا بل ما يقوله الرب عنا. سيقول لأولئك المُدعي الإيمان ”لم أعرفكم قط“. هؤلاء لم يكونوا مع الرب ثم رفضهم، مطلقًا، لكنهم أدَّعوا انتمائهم للرب.
٢. هذا عكس وضع المؤمنين الحقيقيين بالنسبة للرب: فالمؤمن الحقيقي يقول عنهم الكتاب: «لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ»
(رومية
٨:
٢٩) وعن ضمانهم وعدم هلاكهم قال المسيح: «وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي»
(يوحنا
١٠:
٢٨).
٣. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم: ما أبعد الفارق بين قول الرب للأمناء: «تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي»
(متى
٢٥:
٣٤)، وبين قوله للمزيفين أبعدوا عنى. لاحظ معي أنه لا يقول لهم ”يا فاعلي المعجزات“ بل ”يا فاعلي الإثم“. فبينما ظنوا أنهم يخدمون الله كان تقرير الله عنهم أنهم فاعلي الإثم. والسبب أن القلب بعيدًا تمامًا عن الرب ولم يسكن فيه المسيح.
أحبائي ليت الرب يساعدنا ليمتحن كل منا نفسه قبل فوات الأوان، هل أنا فاعل مشيئة الآب أم فاعل الإثم؟ هل أنا قبلت المسيح مخلصًا وأصبحت فعلاً خليقة جديدة، أم فقط مُدعي الإيمان قائلاً يا رب يا رب.