سمعت يومًا من أحد خدام الرب عبارة تقول: ”اقرأ الكتاب مُصليًا، وصلِ قارئًا“. أعجبتني العبارة، وقررت أن أمارسها في خلوتي الشخصية. وبالفعل بدأت أقرأ كلمة الله وأتأمل فيها ثم أُصلي بما تعلمته من الجزء الذي قرأته، ثم أعاود القراءة من جديد في جزء آخر وأصلي به وهكذا.
هذا الأمر يجعل كلمة الله تتعمق في كيانك. خصوصًا الأجزاء التي تشعر بأن الله يتكلم إليك من خلالها. هذا غير أن الآيات التي تصلي بها، وترددها في صلاتك عدة مرات تجد مع الوقت أنك حفظتها، ويصبح لها تأثيرًا ووقعًا خاصًا عليك في كل مرة تسمعها أو ترددها لأنها يومًا صنعت فرقًا في حياتك، وتغييرًا في كيانك الداخلي.
بينما أفعل هذا منذ عدة أيام توقفت أمام جزءًا شهيرًا في كلمة الله، لكنني للمرة الأولى رأيته بطريقة مختلفة تمامًا عما كنت أراه قبلاً.
كنت اقرأ في إنجيل متى
٢١ وتوقفت أمام الجزء الخاص بدخول الرب إلى الهيكل وطرده لكل الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل وقوله الشهير: «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»
(متى
٢١:
١٣). وجدتني أتأمل في هذا المشهد بطريقة مختلفة. سألت نفسي أولاً: كيف يمكنني أن أُطبق هذا المشهد على حياتي لكي أُصلي به كما اعتدت؟ فذكَّرني الرب بقول الرسول بولس «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟»
(١كورنثوس
٣:
١٦). والقول المذكور أيضًا في رسالة العبرانيين «وَبَيْتُهُ نَحْنُ»
(عبرانيين
٣:
٦). إذًا فنحن هيكل الله، وروح الله ساكن فينا كما تُعلمنا كلمة الله. فإذا طبقنا هذا الأمر على المشهد الذي نراه هنا في إنجيل متى يمكننا أن نصلي طالبين من الرب أن يدخل إلى حياتنا ويفعل كما فعل بالهيكل قديمًا عند دخوله إليه!
للتوضيح أكثر دعنا نتأمل فيما فعله الرب عند دخوله الهيكل، ونصلي معًا طالبين من الرب أن يفعل ذات الشيء فينا لنكون ملكًا له:
أولاً: طرد الباعة واللصوص
«أَخْرَجَ جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ»
(متى
٢١:
١٢)
إن أردنا أن يملك المسيح على حياتنا، ويكون هو الكل في الكل، ولا أحد غيره يكون نصيبنا وقائدنا وسيدنا. فعلينا أن نعلم جيدًا أن فور دخوله حياتنا لا بُد وأن يقوم بطرد اللصوص، والباعة الذين يبيعون ويشترون فينا. فكم تمتلئ حياتنا بلصوص يسرقون وينهبون حياتنا بلا قيدٍ أو شرط. هناك لصوص يسرقون الوقت، ولصوص يسرقون الصحة، ولصوص ينهبون طاقتنا وفرحتنا. كل هؤلاء لن يسمح لهم المسيح بالبقاء في حياتنا لحظة واحدة. سيطرد عدو الخير الذي يسلب أذهاننا بأفكاره الهدامة، وسيهدم حصونه التي بناها في أذهاننا
(٢كورنثوس
١٠:
٤) وتربع فيها منذ أزمنة طويلة حتى صارت ”أبراجًا عظيمة“
(جامعة
٩:
١٤). سيطرد أفكارًا شريرة، وصورًا مشوهة عن محبة الله لنا قد زرعها عدو الخير فينا منذ وقت طويل. سيطرد أشخاصًا أفسدوا فينا الأخلاق الجيدة
(١كورنثوس
١٥:
٣٣). سيطرد أشخاصًا يسلبون طاقتك ومجهودك ووقتك، سيطرد ”تعاليم متنوعة وغريبة“
(عبرانيين
١٣:
٩)، سيطرد منك صورة التقوى
(٢تيموثاوس
٣:
٥). لن يترك الأفكار الرديئة
(أمثال
٦:
١٨) تتسلط عليك أكثر من ذلك، ولن يسمح للأرواح المُضلة
(١تيموثاوس
٤:
١) بأن تسرق حياتك. فاسمح له الآن أن يدخل إلى حياتك طاردًا كل أمرٍ لا يتناسب مع وجوده.
ثانيًا: فتح ذهنهم على الحقيقة الغائبة
«وَقَالَ لَهُمْ: مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»
(متى
٢١:
١٣).
عبر السنين الطويلة اعتاد اليهود أن يروا مشهد الباعة في الهيكل حتى صار الأمر طبيعيًا. لكن ما فعله المسيح كشف لهم عن الحقيقة الغائبة عنهم منذ سنوات طويلة أن هذا الهيكل هو بيت الله وهو بيتًا للصلاة وطلب الرب، ولم يكن يومًا مُقامًا ليصبح سوقًا للبيع والشراء!
هذا ما يفعله المسيح معنا بعد أن يُطهر حياتنا وينقيها من كل شر وفساد. يعلن لنا الحق ويكشف لنا الحقيقة مؤكدًا لنا أننا
– كمؤمنين
– هيكل للروح القدس وأننا خُلقنا لنكون معه، وليكون دائمًا هو الأهم والأغلى. إنه يُقدِّسنا ”أي يخصصنا“ له. فهذا الكيان صار للمسيح ولا ينبغي أن نسمح للسارقين واللصوص أن يستولوا عليه. بل يتكرس بالكامل للصلاة والعبادة والخدمة. هذا ما قاله الرسول بولس في رسالة رومية «فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ»
(رومية
١٢:
١).
ثالثًا: يشفي العمي والعرج
«وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ عُمْيٌ وَعُرْجٌ فِي الْهَيْكَلِ فَشَفَاهُمْ»
(متى
٢١:
١٤).
كان في الهيكل كالعادة مرضى كثيرون، جاءوا إلى المسيح بعد أن طرد الباعة واللصوص، فشفاهم. وهذا أيضًا يحدث معنا؛ فإن المسيح يشفي في داخلنا كل ضعف، ومرض، وعرج أصابنا في الحياة وربما من تأثير اللصوص الذين سرقوا الكثير من حياتنا. وتركوا أثرًا سلبيًا وأمراضًا في نفوسنا. فالمسيح لا يكتفي بأن يطرد هؤلاء اللصوص من حياتنا لكنه أيضًا يشفي النفس من أمراضها فيقيم المسكين
(١صموئيل
٢:
٨)، ويسند الضعيف، ويشفي كل انكسار في القلب
(مزمور
١٤٧:
٣).
القارئ العزيز
لن يفعل المسيح كل هذا في حياتك إلا إذا سمحت له بالدخول وأعطيته أن يفعل بك كيفما شاء. لن يفعل هذا دون إرادتك، ولن يغصبك على شيء لأنك إنسان حر وهو يحترم حريتك جدًا. فلا تضيع وقتك وتظل محتفظًا بلصوص وباعة يشترون ويبيعون فيك لتكتشف مع الأيام بإنك خسرت كل شيء. دع المسيح يدخل إلى حياتك مُطهرًا، مُنقيًا، طاردًا لكل لص وبائع وسارق، ومالكًا لكل كيانك حتى يشفيك من كل ما أصابك، ويبارك حياتك مثمرًا ومستخدمًا إياها لمجد اسمه.