رأينا في الأعداد السابقة ما يعلّمه كل مؤمن ويتأكد منه بخصوص ماضيه وحاضره. فعن الماضي يقول كل مؤمن وبلغة الايمان: «نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ» (١يوحنا٣: ١٤). وعن الحاضر يقول أيضًا وبثقة: «وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ» (رومية٨: ٢٨). ونؤكد أن هذا العلم، وهذه المعرفة والثقة التامة مصدرها ليس في إنسان، ولكنها مستمَدة من إعلان الله الكامل في الكتاب المقدس والذي نؤمن أنه موحى به من الله.
المستقبل وما نعلمه عنه
سنتناول في هذا العدد ما أعلنه لنا الرب بخصوص المستقبل بل والأبدية كلها.
«لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اللهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ
» (٢كورنثوس٥: ١).
لأننا: ترتبط بداية الآية بما سبق وكتب عنه الرسول بولس في الإصحاح السابق (ص٤) وهو يستعرض ما تعرَّض ويتعرض له هو والمؤمنين في طريق خدمتهم وشهادتهم للرب يسوع. فتكلم عن الاكتئاب والضيق والحيرة والاضطهاد والطرح. أمور قد تؤدي للموت. ثم يسرد أربع مقابلات، جميل إن تأملناها وهي: إنساننا الخارج والداخل. خفة الضيقة وثقل المجد. الأشياء التي تُرى والتي لا تُرى. بيت أرضي وبيت سماوي.
الخارج والداخل: الخارج هو الجسد بالارتباط بظروفه الصعبة واختباراته المُتعلِقة به. أما الداخل فهو الحياة الروحية التي تنمو وتتقوى يومًا بعد يوم في وسط الاختبارات المرة والظروف الصعبة.
الضيق والمجد: كيف للضيقة أن تكون خفيفة ووقتية؟! مع أنها في حقيقتها رهيبة أحيانًا وصعب احتمالها. إنها صعبة لو نظرنا إليها وحدها، ولكن عند مقارنتها بالمجد الذي ينتظرنا والرجاء الذي لنا، تصبح خفيفة ووقتية. ومنفعتها أنها تهيئنا للتمتع بالمجد الأبدي: «وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً» (رومية٥: ٣، ٤).
البيت الأرضي والبيت السماوي: البيت الأرضي مُشَبَّه بخيمة قابلة للحَمْل والطي والتأثر بالعوامل الجوية وهي ليست مسكنًا ثابتًا ولا دائمًا. خيمة يحملها المُرتحِل والمُسافِر لأنها مكان الغريب. كتب عنها حزقيا ملك يهوذا: «مَسْكِنِي قَدِ انْقَلَعَ وَانْتَقَلَ عَنِّي كَخَيْمَةِ الرَّاعِي» (إشعياء٣٨: ١٢).
٣ حالات نراهم ما بين البيت الأرضي والسماوي:
١- نقض الخيمة أو التغرّب عن الجسد والاستيطان عند الرب بعد الرقاد مباشرة؛ إذ تصعد الروح والنفس لتكونا مع المسيح والجسد يدفن في التراب.
٢- يمر زمن بين خلع هذا المسكن (الجسد) ولبس الجسد المُمَجد عند مجيء المسيح الثاني لاختطاف الكنيسة، فيه لا تكون النفس عارية «وَإِنْ كُنَّا لاَبِسِينَ لاَ نُوجَدُ عُرَاةً» (٢كورنثوس٥: ٣)، بل لابسين المسيح أي في حالة تليق بالوجود في محضر الله.
٣- لبس الأجساد المُمَجَّدة عند مجيء الرب يسوع الثاني.
البيت السماوي: أو البناء الذي ننتظره وهو أجسادنا بعد القيامة من الموت، وهذا للمؤمنين الراقدين، أو تغيُر الأجساد عند مجيء الرب للاختطاف وهذا يخص المؤمنين الأحياء. وهذا ما أعلمنا به الوحي بقلم الرسول بولس «هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ. لأَنَّ هذَا الْفَاسِدَ لاَ بُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ» (١كورنثوس١٥: ٥١–٥٣).
لأننا نعلم: هذا رجاء المؤمن فلا نفشل لأن ما تحت الشمس وقتي أما ما ننتظره فأبدي. حتى وإن كان الجسد الظاهر يضعف حتى يفنى وكلما تعمقنا في التأمل في رجائنا هذا نرى أن كل ما هو تحت الشمس وقتي إن قارناه مع ثقل المجد الأبدي.
إن نُقض: نلاحظ أولًا أن الرسول بولس لا يقول عندما ينقض، بل إن نُقض، أي قد ينقض وقد لا ينقض، وهذا ما سبق وكتب عنه «هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا» (١كورنثوس١٥: ٥١). لكن إن أدت الضيقات والظروف الصعبة إلى نقض الخيمة، أو انتهت رحلة الحياة على الأرض بالرقاد، فهناك رجاء القيامة بجسد مُمَجد. فالموت الذي يرعب كل إنسان لا يزعزع المؤمن لأنه يعلم ما ينتظره بعد الموت.
لنا: لاحظ أنه لا يقول لي بل لنا جميعًا. إنها لغة العلم والمعرفة إنه إنْ مات سيمضي إلى حضرة الرب وينتظر المجيء الثاني ليعطيه الرب جسدًا ممجدًا.
لنا في السماوات بناء: مكانه في السماوات وليس على الأرض، وهو بناء بالمقابلة مع الخيمة غير الثابتة.
غير مصنوع بيد: أي أجساد ليست من هذه الخليقة (جسدنا الحالي تكون بإرادة الأب والأم)، بل قيامة هذه الأجساد وصيرورتها على صورة جسد مجد المسيح. لأن أجسادنا الحاضرة مصنوعة بشكل يناسب الحياة على الأرض. لكن المُستقبلَة ستكون بالشكل الذي يناسب السماء.
عربون الروح: «ولكن الذي صنعنا لهذا عينه هو الله الذي أعطانا أيضًا عربون الروح» (ع٥). يا للنعمة التي لنا، أن الله صنعنا وصنع لنا كل هذا! ولأنه يعلم - له المجد - أننا قد لا نُصدق من فرط هذه الإعلانات أعطانا العربون لنتأكد ونطمئن ونتيقن أننا سنأخذ هذا الجسد المُمَجد، أنه الروح القدس عربون الميراث (أفسس١: ١٣، ١٤).
صديقي القارئ: إن كنت تَشُك في شيء يختص بحياتك الغالية والأبدية أدعوك لترجع للكتاب المقدس إعلان الله الصادق والذي ستجد فيه النور الكاشف لماضيك وحاضرك ومستقبلك. وإن قبلت المسيح بالإيمان ستكون لك دائمًا لغة اليقين مع كل المؤمنين.