نظرًا لأننا أحيانًا نؤثِّر في جانب ونقصِّر في الآخر، نحتاج أن يكون لدينا التوازن المبني على كلمة الله والذي يُميّز إنسان الله. هذا التوازن المعقول هو سمة المؤمن الناضج روحيًا؛ الذي لا يُحمل بقوة الظروف الخارجية أو الأهواء الشخصية بل يحركه الروح القدس، كما أنه واعٍ أن كل امتياز تلازمه مسؤولية، وأن التقييم الصحيح لكل شيء يكون في ضوء كلمة الله ومقاصده المبارَكة وليس حسب استحسانه الشخصي أو العُرف السائد في أيامه. في هذا المقال سأذكُر بعض الأمثلة التي فيها أرجو أن نختبر هذا التوازن المنشود:
١- التوازن بين الخدمة للرب والشركة الشخصية مع الرب
الخدمة بغيرة ونشاط واجتهاد في أي مجال، والأبواب المفتوحة هنا وهناك، يجب ألا تشغلنا عن الشركة مع الرب. الرب باعتباره راعيًا أمينًا ومحبًا لقطيعه؛ يحمل حملانه الصغار، وأيضًا يقود المرضعات
(خدامه
) في اتجاهين: يقودهم لمراعي الكلمة ليشبعوا من دسمها، ثم يقودهم ليُرضعوا صغار قطيعه بلبن الكلمة النقي. الشركة الحلوة المُشبعة مع الرب هي سر قوة وفاعلية الخدمة للرب.
٢- طلب العطايا وطاعة الوصايا
اللجاجة في طلب العطايا ونوال المواعيد الإلهية، لا ينفصل عن طاعة الوصايا والتحريضات الكتابية. هل بذات اللهفة التي لدينا تجاه البركات الموهوبة نشتاق أن نتمم الوصايا المكتوبة في كلمة الله! التجاوب مع التحريضات الكتابية هو الذي يقودنا للحالة المُرضية أمام الله والتي فيها تُستجاب طلباتنا ونختبر البركات التي نتوق إليها.
٣- حياة القداسة والغيرة على الكرازة
القداسة والانفصال عن نظام العالم الساقط، تسير بالتوازي مع السعي لخلاص النفوس التي في العالم، لأنه بقدر مهابتنا للقدوس، تتدفق محبتنا للنفوس. الكرازة المُثمرة هي التي تقترن بحياة الاستقامة والأمانة الفردية. الرب يهمهُ حالة المُبشِر وليست فقط توصيل البشارة. إن كنا نريد أن يفتح لنا الرب بابًا فعالاً لتقديم إنجيل المسيح فعلينا أن نعيش كما يحق لهذا الإنجيل.
٤- المعارضة وإشاعة المذمة
لسنا مطالبون بأن نوافق الكل على كل شيء. يقينًا سنواجه بعض المخالفات عن الوضع الصحيح بحسب ما تعلمنا كلمة الله. قد يصدر هذا التجاوز من أتقى المؤمنين وأنشطهم في مجال الخدمة. ولكن يجب أن الاعتراض على فكرة خاطئة أو زلة
(لشخص كان مشهودًا له ومؤثر في وقت ما
)، لا يجعلنا ننكر كل ما فعله هذا الشخص لأجل الرب. وعدم موافقتك لا يعطيك تصريحًا للمذمة أو الإهانة وتشويه السمعة. إنما يقودك أن تصلي لأجله ليرد الرب نفسه.
٥- ممارسة المواهب والمواظبة على الصلاة
المواهب الفذة وسنوات الخبرة الكثيرة في عمل الله، لا تغني أبدًا عن الصلاة بلجاجة ومواظبة قبل كل خدمة. فعمل الله يُنجَز بقوة الله، وكل ما لدينا من مواهب وخبرات ليست سوى أدوات.
كل من له خدمة يقوم بها بشكل دائم ودوري مُعرّض أن ينجزها بشكل آلي بسبب الاعتياد والإتقان المبني على التكرار، لكن لن يكون لها قوة وتأثير بدون عمل الروح القدس الذي نختبره عندما نتكل بالتمام على الرب العامل فينا.
٦- صنع الإنجازات وترتيب الأولويات
الطموح والاجتهاد الدؤوب لنجاح العمل أو الخدمة، يجب ألا يكون على حساب بيوتنا؛ زوجاتنا وأولادنا وذوينا. غير الأمين في بيته، كيف سيكون أمينًا في خدمته أو وظيفته؟ كم من بيوت تفككت وعلاقات تمزقت بسبب عدم ترتيب الأولويات! الذي لا يدبر بيته حسنًا، كيف سيتصرف حسنًا في بيت الله!!
٧- العبادة مع شعب الرب والشهادة عن شخص الرب
استثمار المواهب في الخدمة هنا وهناك، يجب ألا يحرمنا من امتياز العبادة للرب مع إخوتنا. إنها مشكلة قديمة وجديدة. البعض يُركز على الخدمة أكثر من عبادة الرب مع إخوته بعلة الأبواب المفتوحة والاحتياج الدائم لدى النفوس المحيطة بنا، والبعض الآخر يجنح إلى الجانب الآخر وهو التركيز على اجتماعات العبادة فقط دون أن يكون شاهدًا عن عمل نعمة الله في حياته! يجب ألا نكُف عن الأولى وألا نُهمل الثانية؛ فنحن كهنوت ملوكي لنشهد للرب، وكهنوت مقدس لنعبد الرب.
٨- الصراخ للرب في الأزمات والشكر للرب على الخيرات
هل نحن مؤمنون شاكرون في كل الظروف على كل شيء؟ تسبيحات الحمد للرب على البركات والإحسانات يجب ألا تقل عن صراخنا للرب في المحن والأزمات. اليد التي تدفع البلايا بالأولى تُقبَّل عندما تجود بالإحسان وتبدد الأحزان وتسدد الاحتياج، عندما تقوّم المنحنين وتشدد الضعفاء.
٩- الترنيمات والتطلعات
ما نردده في الصلوات والترانيم عن التكريس للرب، يجب أن يتوافق مع ما نسعى ونتطلع إليه في حياتنا. من يعرف ولا يعيش المكتوب، فهو يحتاج أن يتوب. هل نعي تمامًا كل ما نقوله من وعود وأشواق في ترانيمنا. ماذا لو صور الرب ما نتمناه في قلوبنا بما نرنمه بشفاهنا؟
١٠- غرباء وأيضًا وكلاء
بمقدار قناعتنا أننا غرباء ونزلاء في هذا العالم، يجب أن يزداد الاجتهاد والثمر، وليس الشكوى والضجر. صحيح أننا ننتظر الرب الذي وعدنا بأنه سيأتي سريعًا وبمجيئه لاختطافنا سيضع حدًا لأتعابنا وينهي اغترابنا لكن وجب أن نتاجر بوزناتنا حتى يجيء. سياح السماء العابرون هم أيضًا في عمل الرب مكثرون.
يا رب هبنا حكمة واتزانًا وتعقُلاً في كل شيء، في أفكارنا ومشاعرنا، وفي آمالنا وكلامنا وأيضًا في تصرفاتنا وردود أفعالنا.