كيف وضَّح المسيح الفارق بين الجهل والتعقَّل؟
وكيف فرَّق بين نوعيات البشر، فمنهم من لا يريد أن يسمع، ومنهم من يسمع ولا يعمل، ونوعية أخرى من تسمع وتعمل. ففي أي فريق أنا وأنت؟ هذا ما شرحه ربنا يسوع المسيح بشيء من التفصيل في عظته الشهيرة، عظة الجبل.
في جزء سابق تحدث الرب يسوع عمن فقط يقولون: «لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ»، لكن في هذا الجزء يتحدث الرب يسوع عمن يسمعون، قائلاً: «فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هَذِهِ» (متى٧: ٢١، ٢٤).
أولاً: شبَّّه الرب يسوع من يسمع كلامه ولا يعمل به برجل جاهل، ومن يعمل بكلامه برجل عاقل؛ فلماذا؟
١. التركيز على المظهر لا الجوهر: فالجاهل هو مَنْ يبني البيت دون أساس، يهتم بالبناء الظاهر ولا يُقدِّر الأساس لأن الناس لن تراه. فلقد بنى بيتًا ليحتمي فيه مِن المطر لكن دون أساس؛ أليس بحق جاهل؟! بينما العاقل هو مَنْ يهتم جدًا بالأساس ويضعه على الصخر. هكذا من يسمع كلام الرب ليعمل به هو عاقل، وهذا هو الجوهر.
٢. هذا واضح بين فريقا الجاهلات والحكيمات؛ فالجاهلات لم يهتمن بالزيت، لأنه لا يُرى، فقط أهتمن بالمصابيح الخارجية فقط.
٣. هذا هو الجهل بعينيه، أن تهتم بالمظهر دون القلب، أن تسمع كلام الله دون تنفيذه في الحياة. أن تهتم بشكل التدين لا الحياة الجديدة الأبدية، المصباح دون الزيت!
ثانيًا: تكلم الرب يسوع عن الأساس، الصخر والرمل، فماذا قصد بهما؟
١. ليس المهم فقط أن تبني بيتًا تحتمي فيه، لكن أن تبني على أساس. فبيت من غير أساس هو كارثة أخطر من وجودك بلا بيت!!
٢. تُرى ما هو الأساس؟ هو ما يقوم عليه كل البناء، والأساس في حياة الإيمان المسيحي هو المسيح: «فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الَّذِي وُضِعَ، الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ» (١كورنثوس٣: ١١). والرب يسوع المسيح هو الصخر وحده ولا سواه «الرَّبُّ صَخْرَتِي وَحِصْنِي وَمُنْقِذِي. إِلهِي صَخْرَتِي بِهِ أَحْتَمِي» (مزمور١٨: ٢)، «هُوَ الصَّخْرُ الْكَامِلُ صَنِيعُهُ. إِنَّ جَمِيعَ سُبُلِهِ عَدْلٌ. إِلهُ أَمَانَةٍ لاَ جَوْرَ فِيهِ» (تثنية٣٢: ٤)، «وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ» (١كورنثوس١٠: ٤).
٣. أما الرمال فهي شيء غير ثابت لا تحمِل من يقف عليها. أي شيء آخر يبني الإنسان حياته وأبديته عليه، غير المسيح، هو كالرمال سرعان ما تنهار ويهلك هو! جاهل من يبني حياته عليها! وهكذا من يسمع ولا يطيع أقوال ربنا يسوع لينال خلاصًا أبديًا منه، لن يستفد بشيء أبدًا.
ثالثًا: ما هو المقصود بكلام الرب: «مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هَذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا»؟
هو الاحتماء في شخص المسيح. فالكلمة التي أسمعها تعرفني احتياجي للخلاص وأن علاجي هو المسيح المخلِّص. ثم يأتي دور الشخص العاقل ليقرِّر ويتجه إلى المسيح الصخر المُخلِّص. سمع سجّان فيلبي الكلمة وعمل بها، عندما آمن بالرب يسوع المسيح فخلص ووضع بيته على الصخر.
رابعًا: ما الذي يميَّز المزيف عن الحقيقي؟
يقول الرب يسوع: «فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذلِكَ الْبَيْتَ» (متى٧: ٢٥).
١. لا بد وأن يأتي الامتحان الذي يبين ماهية حقيقة إيماني، سواء تبن أم حنطة، على الصخر أم على الرمال.
٢. الأمطار تأتي من السماء، وهي صورة لما يسمح به الرب من تجارب. أما الأنهار نرى فيها صورة لمضايقات الناس حولنا. وماذا يفعل كل هؤلاء لبيت مؤسس على صخر الدهور، الرب يسوع المسيح. فلقد جاءت الرياح الشيطانية والأنهار معًا على أيوب فأعلن ثابتًا: «فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا» (أيوب١: ٢١). وقال المرنم: «لَوْلاَ الرَّبُّ الَّذِي كَانَ لَنَا... إِذًا لَجَرَفَتْنَا الْمِيَاهُ لَعَبَرَ السَّيْلُ عَلَى أَنْفُسِنَا» (مزمور١٢٤: ٢-٤).
٣. وماذا عن الرياح؟ الرياح هي صورة لهيجان الشيطان. وكل من أسس حياته وإيمانه بالرب يسوع المُخلص لا يؤذيه الشيطان أبدًا «الْمَوْلُودُ مِنَ اللهِ يَحْفَظُ نَفْسَهُ، وَالشِّرِّيرُ لاَ يَمَسُّهُ» (١يوحنا٥: ١٨).
خامسًا: واحد «لم يسقط» والآخر «سقط وكان سقوطه عظيمًا»!!
ما أروع حياة تأسست على الإيمان بالرب يسوع المخلِّص، يعطيها المسيح الضمان الأبدي كما وعد قائلاً: «وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي» (يوحنا١٠: ٢٨). والعاقل هو من يفعل ذلك.
وما أبشع نهاية مأساوية لشخص عاش حياته ولم يعمل بأقوال المسيح، وأقصد من جهة خلاصه الأبدي والتجائه للمسيح، حتمًا ستضيع حياته ويهلك أبديًا. ولقد شبَّهها السيد بالبيت المؤسس على الرمال سرعان ما ينهار ويسقط عندما تنزل عليه الأمطار فيسقط ويكون سقوطه عظيمًا. وهذا هو الجاهل.
عزيزي.. من أي نوعية أنا وأنت: عاقل أم جاهل؟ هل نسمع أقوال الرب يسوع ونعمل بها، أم فقط نرددها متشدقين بها؟ الأهم هو أن نلتجئ إلى المسيح ونحتمي في كفارته ونحيا حياة جديدة في رضاه.
«فَالآنَ يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا... قَبِّلُوا الاِبْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيلٍ يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْه« (مزمور٢: ١٠-١٢).