منذ ٣ سنوات وأنا أشعر بصعوبة بالغة في البلع، فذهبت لثلاثة من كبار أساتذة الجهاز الهضمي وكان تشخيصهم “ارتجاع في المريء”، استخدمت العلاج لمدة ٧ شهور، ولكن لم تتحسن حالتي.
التشخيص
رجعت لأحد الأطباء الثلاثة أشكو من الألم، فحولني لطبيب أنف وأذن وحنجرة. وباستخدام أشعه الباريوم اكتُشف وجود ما يسمى (برتج زنكر Zenker's diverticulum)، وهو عبارة عن كيس يتدلى بجوار المريء. رجعت لطبيب الجهاز الهضمي فوجهني لمتخصص مناظير محل ثقة. ذهبت إليه وكان مندهشًا لأن الزنكر حاله نادرة جدًا، ولا تصيب إلا كبار السن، وبعمل منظار جديد تأكد من صحة الزنكر، ولكن حجمه صغير. ونصحني بالمتابعة وعدم استعجال الجراحة.
استمرار المعاناة
عانيت لأكثر من ستة أشهر أخرى، ولسبب انتشار وبأ الكورونا من جهة، ولكبر سِن الطبيب وعدم نزوله العيادة من جهة أخرى، عانيت بشدة من صعوبة بلع أي شيء، والاستيقاظ ليلاً عدة مرات بسبب الاختناق. فحصني الطبيب عن طريق شاشة في عيادته، وطلب مني اختبار بالباريوم، فأظهر كبر حجم الكيس وأنه يحتاج لعملية، وقد فاجأني بأنه لن يجريها لأن هناك تقنية حديثة بواسطة فريق طبي شاب تم إرسالهم للخارج، يمكنهم القيام بها أفضل منه.
قلق أكثر
توترت، وانزعجت، لثقتي في طبيبي، وشكي في خبرة الفريق حديث التعلم. فذهبت لأساتذة آخرين، وقمت بإرسال التقارير الطبية لبعض الأصدقاء في الخارج، وللأسف كان مرضي غير معروف لكثيرين.
بحث مضنٍ
بعد ٥ شهور من البحث هنا وهناك، قادني الرب لخادم أمين اهتم بحالتي، وتواصل مع أصدقاء له في أمريكا ورشحوا لي الفريق المصري. فتشجعت وأجريت العملية بنجاح. ولما تحسَّنت حالتي، عُدت إلى البيت. ومع أول جلسة حول مائدة الطعام مع أولادي شعرت بدافع قوي أن أقول لهم: “المفروض يا أولادي أن نشكر الرب، ليس فقط من أجل نعمة الطعام لكن علينا أن نشكر الله من أجل نعمة البلع”.
وهكذا انهى صديقي (ح. س) قصته، ولنا فيها الكثير من العبر.
أولًا: جميعنا مرضى
قال الرب يسوع: «لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى... لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ» (متى١٢:٩-١٣).
ثانيًا: التشخيص الصحيح
لقد عانى صديقي الفاضل حتى عرف سبب الداء، والسبب الحقيقي لمأساة ومعاناة البشرية اليوم ليس الفقر أو المرض، ليس الجهل أو الإرهاب إنما داء الخطية، لذلك جاء المسيح وتألم «الآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ» (عبرانيين٩: ٢٦)، فالعالم اليوم يحتاج بشدة إلى المسيح، فنحن نهتم ونضطرب لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ «وَلَكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ» (لوقا١٠: ٤٢)، فالمسيح هو الدواء لكل داء.
وهنا نحن نناشد كل مكتئب وكل بائس ربما فكر أن يؤذي نفسه، كما ناشد بولس وسيلا مأمور سجن فيلبي بالقول: «لاَ تَفْعَلْ بِنَفْسِكَ شَيْئًا رَدِيًّا لأَنَّ جَمِيعَنَا هَهُنَا» ولما سأل: «يَا سَيِّدَيَّ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟» كانت الإجابة: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» (أعمال١٦: ٢٨–٣١).
ثالثًا: من يرشدني للطبيب
لقد تعب (ح.س) حتى وجد المتخصص، ووثق فيه. دارت ذات مرة حوارات بين حكماء اليونان حول موضوع الغفران، خُتمت بقول سقراط لإفلاطون: “رُبما يُعقل أن الله يقدر أن يغفر الخطايا، ولكني لا أعرف كيف؟!” لكن نشكر الرب الذي هدانا للشخص «الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا» (أفسس١: ٧)، «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ» (متى١١: ٢٥).
رابعًا: لا تتوان
لم يتأخر بطل قصتنا في إجراء العملية، ونحن أيضًا ليتنا لا نتأخر، في الإتيان للمسيح ليشفينا لا من “برتج زنكر” فقط، فمكتوب عنا جميعًا «حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً. أَرْجُلُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ» (من رومية٣)، بل «كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ. مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ» (إشعياء١: ٥-٦). فمهما كانت صحتك وحالتك، أسرع إليه، وثق فيه، وخذ منه كفايتك.
خامسًا: العلاج مجاني
الأدوية غالية، والعمليات مكلفة، أما شفاء المسيح فمجاني إذ «حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ» (١بطرس٢: ٢٤). ومستعد الآن أن يمنحك الشفاء الكامل والعاجل بالمجان (إشعياء٥٥: ١).
وأخيرًا يا صديقي: هل تشكر الله على نعمة البلع، بل والسمع والكلام والمشي «بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ» (مزمور١٠٣: ١).