كنت فاكر إنه دور برد عادي لحد ما إتكدت.
-حصل إيه؟
فقدت شم وتذوق!
من قبل ما تظهر الكورونا ومن قبل ما نسمع كتير عن العَرَض المميِّز ليها، “فقدان شم وتذوق”، والعَرَض ده موجود، بس مش متعلق بالمناخير واللسان لكن بالاحساس بطعم الأيام!
أيام كتير بتعدي من العمر من غير ما نحس بطعمها ولا ريحتها.
مش عارفة المشكلة فينا ولا في إيقاع الحياة اللي بقى دوشة وسريع!
اعتقد إن السوشيال ميديا ليها دور كبير في التأثير على قدرتنا الشعورية للشم والتذوق.
Scrolling (بنقلب) ليل نهار على الناس واللي جابوه واللي نجحوا فيه.
إفتكاسات، على جنازات، على حوادث، على تلقيح كلام، على تأمل، على تنكيت.
نضحك نسكرول، نتخض نسكرول، نتنرفز نسكرول، نهدأ...
خلاط.. والنتيجة عصير من غير طعم ولا ريحة، وسرسبة للعمر من دون ما نحس!
العمر بيضيع في الفرجة، وعلى الرغم من إنها مجرد فرجة لكنها بترمي في عقولنا - من غير ما ندرى - جوع وعوز لحاجات مش عايزنها أصلاً، ومهما كان عندنا فمش حاسين علشان لسه عاوزين أكتر من كده بكتير، ويكون لسان حالنا “الدنيا ملهاش طعم عايزين حاجة تفرح من القلب كده”.
بنشتغل ونريح نفك عن نفسنا، نعيا فنرقد في السرير وشوية ونخف فنرجع للشغل، وهلم جرا.
والأيام بتمر شبة بعضها، آه بسبب الكورونا اتعلمنا نشكر على العادي اللي هو مش عادي. بس لسه مكمل شعور إن مفيش شيء مبهر ولا مميَّز، والدنيا بتلف بينا وأهي أيام وبنعيشها.
ربنا بيسترها فنشكرلنا يومين وترجع ريما لعادتها القديمة!
المشكلة بقى مش بس في كدة، المشكلة والكارثة أن الواحد بيبدو ليه أن الأيام من غير طعم ومفهاش جديد، لكن الواقع مبيبقاش كده!
مش بتكلم على الحياة في العالم الخارجي، لكن بتكلم عن حياتنا إحنا شخصيًا، بما يدور فيها من أحداث وردود أفعالنا وعاداتنا، بتمر علينا مرور الكرام، لكن المرعب إننا هنحصد ده أكيد بعد وقت!
فمش معنى إني مش حاسس باللي بعمله في الوقت ده فمش هحصد ثمره (سواء إيجابي بقى ولا سلبي)!!
طريقة أكلي، الوقت اللي بقضيه في التأمل والصلاة وقراية الكتاب، طريقة تعاملي مع الناس من حواليا، طريقة تعاملي مع دواخلي!
كله كله ليه حصاد، ومفيش حاجة بتحصل من يوم وليلة!
سمنة، جفاف روحي وشوشرة، علاقات بايظة، قلق واكتئاب...
رشاقة، نمو ونضوج في العلاقة بالله، علاقات حقيقية، إتساق الكيان الداخلي...
على قد ما فكرة الزرع والحصاد فكرة مرعبة، لكنها برضة مشجعة.
مرعبة لما أدقق وأحاول أتخيل اللي أنا بعمله دلوقتي وأنا مش مركز ممكن يأثر عليا إزاي قدام إن كان ليا عمر؟!
ومشجعة لو أنا بالفعل مركز في حياتي وعاوز أستثمرها بس لسه مش شايف ثمر للي بعمله.
مشجعة إن لكل تعب منفعة، وإني مفقدش الأمل في عمل الخير زي ما الكتاب المقدس بيقول.
وزي ما مفيش حد بيزرع والزرعاية بتاعته بتطلع تاني يوم، بالمثل للعادات وما إلى ذلك.
زمان كنت بفهم فكرة الزرع والحصاد بالشكل الما_ورائي بمعنى إن ربنا هيخليني أحصد اللي زرعته لو كان حلو من حتة تاني مش لازم في نفس المكان اللي زرعت فيه. ولو باراعي فقلبي إثم ومستمره فيه فهحصده برضه زي ما زرعته.
بيحصل فعلا، بس لما أدركت قوة تأثير العادة زي كأني اتخضيت أكتر وابتديت أهتم أكتر بالوقت والأيام اللي بتعدي دي!
في ناس بعد ما خفت من الكورونا فضلت مش بتشم ولا تدوق، وبيقولولهم على تدريبات ومكملات غذائية تساعد في تنشيط رجوع الحواس ديه.
وبدل ما نعيش يومين العمر في غفلة أو وإحنا مش حاسين بيهم وهما بيعدوا، مفيش مانع من شوية تدريبات تساعدنا ننشط حواس إحساسنا بالأيام.
- أول تدريب هو الشكر والإمتنان الدايم على أدق تفاصيل اليوم بداية من النفس اللي طالع داخل. الشكر على الإمكانيات اللي ربنا كارمني بيها حاجة حاجة، على الناس اللي ربنا باعتهم في حياتي، على الطبيعة، على اليوم اللي مر بسلام...
واللي يدقق ياما هيشوف، هتلاحظ مع الوقت إن حصاد ثمر الإمتنان مش بس رجوع الشم والتذوق، لكن حالة القلب الشاكر بتحمية من القلق والإكتئاب، وبتفتح كلام رايح راجع بينه وبين الخالق طول اليوم مش بس وقت الخلوة!
- تاني تدريب هو الفحص، مهم جدًا كل فترة آخد وقفة وأسأل نفسي: أنا بعمل إيه؟ أفحص نفسي أمام الله وأقوله «اختبرني يا الله واعرف قلبي امتحني واعرف أفكاري»، واللي الرب يكشفه أتعامل معاه.
ممكن يكشف بقى عن عادات ضارة، عن تدريبات روحية محتاج أهتم بيها.
الحلو والجميل في الموضوع أنه بيرشد بكل نعمة ومحبة، باقي على مصلحتي، والدور والباقي عليا!
يا ترى هسمعله ولا هطنش؟!
- آخر تدريب ممكن أقترحه إنك تلزق في الأصحاء، الكتاب بيقول إن «الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُحَدَّدُ، وَالإِنْسَانُ يُحَدِّدُ وَجْهَ صَاحِبِهِ» (أمثال٢٧: ١٧).
وجودنا وسط ناس مركِّزه في العمر ممتنه راضية مطيعة لصوت الله في حياتها، بيعدينا - إن جاز التعبير - بس عدوى مفيدة مش التانية الوحشة دي.
وأوقات ربنا بيستخدمهم يكونوا زي الجمر اللي بتحفظ حرارتنا، وأوقات بيكونوا صوته لينا اللي بيشجعنا أو يحذرنا أو يطمنا إننا ماشيين صح.
وفي الختام هصلي مع كاتب المزمور:
«إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ» (مزمور٩٠: ١٢).