“لي جينغوي” شاب صيني كان حديث صفحات التواصل الاجتماعي في الشهور الماضية. حيث قام هذا الشاب بنشر خريطة على مواقع التواصل الاجتماعي رسمها بخط يده، عن قرية بالكاد يتذكر معالمها، قريبة من مدينة “تشاوتونغ”. وما جعل هذا المنشور يثير جدلاً واسعًا أن “لي جينغوي” كتب مُعلقًا على الخريطة: “أنا طفل يبحث عن أهله، لقد أخذني شخص إلى مقاطعة “خنان” عام ١٩٨٩ وهذه خريطة لقريتي التي كنت أعيش بها، وقد رسمتها من وحي ذاكرتي وأتمنى أن يساعدني أي شخص في العودة إلى أهلي”.
ظهرت في الخريطة بعض المعالم التي تذكرها “لي” منذ أن كان طفلاً، مثل بِركة صغيرة ومدرسة، مما أتاح للشرطة المقارنة بين الرسم المنشور، وقرية صغيرة كانت تسكنها امرأة كانت قد أبلغت عن اختفاء ابنها قبل أكثر من ثلاثون عامًا. وبعد إجراء فحص الحمض النووي، تمكن “لي” من العودة لحضن أمه بعد غياب أكثر من ثلاثين عامًا.
عاد “لي جينغوي” إلى بيته وإلى حضن أُمه، وكتب بعدها على مواقع التواصل الاجتماعي: “أكثر من ثلاثين عامًا من الانتظار، وليالٍ لا حصر لها من الشوق، وأخيرًا خريطة مرسومة بخط اليد من وحي الذاكرة أعادتني إلى أمي، شكرًا لكل من ساعدني في العودة إلى بيتي وعائلتي”.
قصة صعبة لكن نهايتها جميلة، ربما فكرت عزيزي في السنوات التي ضاعت من حياة هذا الشاب، بل وحياة كل أفراد العائلة وهم بعيدون عن بعضهم بعضًا. ربما فكرت في مشاعر هذا الطفل الصغير الذي اُختطفَ وعاش سنوات عمره بعيدًا عن دفء العائلة، بعيدًا عن حضن أُمه، ورفقة إخوته، ومحبة أبيه. ربما فكرت في مشاعر أُمه كل هذه السنوات بعد أن فقدت ابنها وبالتأكيد فقدت كل رجاء في لقائه مرة ثانية. كل هذه الأفكار وغيرها تجعلنا نشعر بصعوبة الأمر.
لكن على الجانب الآخر نهاية القصة بدلت الكثير من الأحزان والمشاعر السلبية؛ فقد عاد الشاب أخيرًا لحضن أُمه، لم تمُت الأم قبل أن ترى ابنها مرة ثانية وتحتضنه، وتفرح بعودته وتعوَّضه عن سنين الحرمان والتعب والخوف التي عانى منها في سنوات الغياب. عاد الشاب ليفرح وسط أحبائه وأهله وأقاربه ويتمتع بدفء المحبة والاحتواء من جديد.
ورسالتي لك اليوم؛ أين أنت اليوم؟ في أي مرحلة تقف من مراحل هذه القصة؟
ربما أنت في المرحلة الأولى حيث اختطفك الشيطان وأعمى عينيك عن رؤية الطريق الصحيح، وكبَّل يديك وقدميك بقيود الخطية والشر والهوان. «لأَنَّهُ مُنْذُ زَمَانٍ كَثِيرٍ كَانَ يَخْطَفُهُ، وَقَدْ رُبِطَ بِسَلاَسِل وَقُيُودٍ مَحْرُوسًا، وَكَانَ يَقْطَعُ الرُّبُطَ وَيُسَاقُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَى الْبَرَارِي» (لوقا٨: ٢٩) بعد أن اقتنص نفسك بفخ ٍ من فخاخه المتنوعة «فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ» (تيموثاوس الثانية٢: ٢٦).
وربما أنت في المرحلة الثانية حيث بدأت تشعر بالخطر الشديد، واحتياجك للعودة إلى حضن الراعي الصالح الذي يبحث عنك ويشتاق إليك ويدعوك للعودة إليه في أسرع وقت فهو الذي: «َيَذْهَبَ لأَجْلِ الضَّالِّ حَتَّى يَجِدَهُ» (لوقا١٥: ٤). هو يعرف أنك متعب، ومذلول ومُهان، هو يعرف حاجة قلبك الشديدة للحب، والغفران، والصفح عن كل ما فعلته. وهو ينتظر رجوعك ويشتاق لسماع صوتك وأنت تُقدم أمامه توبة ورجوعًا إليه صارخًا: «اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ» (لوقا١٨: ١٣).
أما إن كنت ممن عادوا لحضن أبيهم السماوي وتمتعوا بخلاص المسيح؛ فأقول لك: نعمًا أخي الحبيب؛ تمتع بما لك في المسيح، ولا تدع الشيطان يسلب فرحك، وسلامك، واستمتاعك بحضن الآب السماوي العجيب. بل اهتف مع الرسول بولس: «فَمَاذَا نَقُولُ لِهذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟ اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟» (رومية٨: ٣١، ٣٢) وثِق تمامًا أنه لم يعُد شخصًا أو شيئًا قادر أن يفصلك عن محبة المسيح (رومية٨: ٣٥).