كان حديث الساعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى بعض محطات التلفزيون العربية، هو سقوط الطفل المغربي ريان البالغ من العمر خمس سنوات في بئر بإقليم شفشاون بالمغرب، وكان ذلك يوم الثلاثاء الموافق ١/٢/٢٠٢٢ الخامسة عصرًا. وبذلت السلطات المغربية مجهودات وفيرة من كافة الجهات: قوات الدفاع المدني، وبعض الفرق الطبية وعلماء جيولوجيا ليشرفوا على عمليات الحفر، لتنقذ حياة الطفل ريان. وللأسف لم تنجح كل هذه القوات في إخراجه حيًا من البئر الذي سقط فيه؛ فمات الطفل حسب بعض التقارير الإخبارية بعد خروجه مباشرة، وبعض الآراء تقول إنه خرج ميتًا، الله وحده يعلم الحقيقة.
كتب عدد مهول من رواد مواقع التواصل الاجتماعي راجين – بمختلف ديانتهم – أن ينقذ الله هذا الطفل ويعيده إلى أسرته المتألمة بسببه. وكنت في قلبي أدعو أن يمد الله له يد المعونة ويخرجه من الضيق الذي يعانيه. عانيت كثيرًا ذلك اليوم، وطار النوم مني تلك الليلة إثر التفكير في هذا الحادث الصعب. وذهب تفكيري من التفكير في سقوط الطفل ريان إلى أبعد من ذلك بكثير وسأشاركك بما جال في ذهني.
السقوط العظيم
هناك سقوط آخر ليس سقوط الطفل ريان، ولكن سقوط رأس وأبو البشر كلهم في العصيان والتمرد على وصية الله: «وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً: مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ» (تكوين٢: ١٦-١٧). كانت تلك الوصية السلبية الوحيدة التي أعطاها الله - مُبارك اسمه - لأبونا آدم ولكن: «رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ. فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ» (تكوين٣: ٦-٧).
لم يحفظ أبونا أدم وصية واحدة ووقع في التعدي، وكانت النتيجة هي السقوط. ولم يسقط هو وأمنا حواء فقط لكن يقول الكتاب المقدس كتاب الله: «مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ» (رومية٥: ١٢).
هكذا سقط رأس الخليقة وسقطت كل ذريته.
المحاولات الكثيرة
شهد العالم كله عبر الشاشات المحاولات والمجهودات العظيمة التي بذلتها السطات المغربية لإنقاذ ريان من البئر التي سقط فيها، هكذا حاولت البشرية الخروج من بئر السقوط والخطية، ولكنها ضعيفة وغير قادرة على الخروج منه بنفسها، مثل الطفل المسكين الذي كان غير قادر على الخروج من البئر بنفسه. فعلى مدار التاريخ البشري حاول البشر الخروج من بئر الخطية والشر ومعالجة الأمر مع الله بطرق كثيرة جدًا. بداية من قايين الذي استخدم سلم الأعمال للصعود من البئر لكن يقول الكتاب: «لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ» (أفسس٢: ٩). وسلك في طريق قايين الفاشل العديد من البشر حتى إلى هذا اليوم يرغبون في المصالحة مع الله بمجهوداتهم، لكن فشلت كل المحاولات التي قاموا بها كما فشلت أوراق التين أن تستر عُري أبينا آدم وزوجته حواء.
أيضًا لن يستطيع الإنسان أن يقدم فداء لأخيه «الأَخُ لَنْ يَفْدِيَ الإِنْسَانَ فِدَاءً، وَلاَ يُعْطِيَ اللهَ كَفَّارَةً عَنْهُ. وَكَرِيمَةٌ هِيَ فِدْيَةُ نُفُوسِهِمْ، فَغَلِقَتْ إِلَى الدَّهْرِ» (مزمور٤٩: ٧–٨).
ورغم كل المحاولات وتنوعها وكثرتها، لم يستطع الإنسان أن يخرج بنفسه من بئر الخطية.
التنازل العظيم
ولما تعثر البشر في الخروج من بئر خطاياهم وآثامهم، ولم تُقدِّم المجهودات البشرية حلًا حقيقيًا دائمًا ومُرضيًا، بل قدَّمت فشلاً وخيبة أمل في نهاية كل المحاولات البشرية للصعود من بئر الخطية والشر؛ جاد ساكن السماوات العظيم والمُحب والرحيم بالحل الحقيقي الذي قال عنه أعظم المولودين من بين النساء: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!» (يوحنا١: ٢٩). المسيح هو الله الذي تجسَّد وعاش في الأرض عيشة الفقراء وهو الغني ليقدِّم كفارة حقيقة وافية وكافية عن خطايا العالم. كان المسيح هو إجابة لأكبر إشكالية في التاريخ، وهي وسؤال واحد من أكثر الرجال حكمة على الأرض: «لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا» (أيوب٩: ٣٣). كان المسيح هو إجابة الله على سؤال أيوب، وأسئلة البشر كيف يقتربون لله ويتصالحون معه. لو كنت تريد سلامًا مع الله وغفرانًا لخطاياك ها هو الطريق:
«فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ... لأَنَّ الْمَسِيحَ، إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ، مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ... وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا. فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ! مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ... لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا نِعْمَةُ اللهِ، وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ! ولأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ! فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاة. أَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا» (رومية٥).
عزيزي القارئ: الوحيد القادر أن يخرجك من بئر سقوطك وخطيتك هو المسيح فقط، ليتك تضع ثقتك فيه وتقبله مُخلصًا وربًا على حياتك؛ فتخرج من الظلمات للنور الحقيقي، وتعيش حياة القداسة والفرح والارتواء، وتنعم مع المسيح بالحياة الأبدية بعد الموت، ليتك تقبل أفضل وأعظم حل لتخرج من بئرك، وهو المسيح.