في إحدى التغريدات كتب أحد الأصدقاء يقول: “فيه ناس مثلي عندهم فقد سريع للانبهار، لما كروت الانبهار تشطَّب بدري، فلا جديد، والنتيجة النهائية زي الساقية اللي بتلف، وناس بتدور فيها، وناس بتلف، في نفس الحكاية ونفس الملف”. ذَكرني صديقي بقول، وبشخص: القول لسليمان الحكيم وهو: «مَا كَانَ فَهُوَ مَا يَكُونُ، وَالَّذِي صُنِعَ فَهُوَ الَّذِي يُصْنَعُ، فَلَيْسَ تَحْتَ الشَّمْسِ جَدِيدٌ » (جامعة٩:١). أما الشخص فهو: دانيآل ورفقاؤه، وهم: «فِتْيَانًا لاَ عَيْبَ فِيهِمْ، حِسَانَ الْمَنْظَرِ» (دانيآل٤:١)، لم تبهرهم بابل بكل عظمتها وحضارتها. لقد كان من الممكن أن ينبهروا؛ فقد نُقلوا كأسرى من أورشليم المسكينة والمحاصرة، إلى بابل العظيمة حيث التقدم والرُقي، العظمة والأُبهة (دانيآل ٣٠:٤)، لكن لم تبهرهم، لا أضوائها ولا أمجادها، ولا كل ما فيها، كان من الممكن أن ينبهروا بأشياء عظيمة مثل:
١. الأطايب والمأكولات الشهية
والحقيقة، اليوم، لا صوت يعلو على صوت: ماذا نأكل؟ وماذا نشرب؟ وهذا يتضح من كَمّ الإعلانات عن الجديد من المطاعم والأطعمة، وصَدَق قول الكتاب عن هؤلاء: «الَّذِينَ نِهَايَتُهُمُ الْهَلاَكُ، الَّذِينَ إِلهُهُمْ بَطْنُهُمْ وَمَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ» (فيلبي١٩:٣). «أمَّا دانيآل فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ؛ فَطَلَبَ مِنْ رَئِيسِ الْخِصْيَانِ أَنْ لاَ يَتَنَجَّسَ» (دانيآل ٨:١).
٢. العلوم والحكمة البابلية
فقد اشتهرت بابل بأربعة أنواع من فروع العلم: علم الفلك كالمجوس، علم الغيبيات كالسحرة والعرافين وقُرُاء الكف والفنجان، الأدب والشعر، والفلسفة وعلم النفس كالكلدانيين بجنوب بابل.
٣. عظمة نبوخذ نصر الإنسانية
في دانيآل١٨:٥-١٩ نقرأ عن الملك الذي أيًّا شاء قتل، وأيًّا شاء استحيا. والحقيقة أن كل واحد منا ينبهر ببطل ما في مرحلة معينة في حياته، فمثلًا قد تنبهر في طفولتك المبكرة بمُدرسك في المدرسة، أو حتى في مدارس الأحد بخادم معين، وفي مرحلة متقدمة بآخر وهلم جرا...
٤. الحضارة والصناعة البابلية
كانت متقدِّمة في تلك الأيام، وتشتهر بصناعات مثل: النقوش على الزجاج والخزف والذهب، ونافورات وحدائق بابل وغيرها.
٥. المكافآت والهدايا الملكية
فقد وعد الملك بحلاوين وعطايا وإكرامات عظيمة لمن ينبئ الملك بحلمه الذي حلم وتعبيره (دانيآل٦:٢).
٦. الأمجاد العالمية
ممالك العالم وأمجادها، التي تمثَّلت في التمثال العظيم الذي يمثل ممالك العالم، والذي بدأ ببابل حيث نبوخذ نصر الذي يمثل الرأس من الذهب (دانيآل٣١:٢).
كل هذه وغيرها قد تبهر الصغار وتخلب قلوبهم وألبابهم، لكنها لا تبهر الكبار كدانيآل الذي كان مبهورًا ومسرورًا بشيء آخر، أو بالأحرى بشخص آخر؛ أنه مغرم ومبهور بإله السماوات الذي قال عنه: «لِيَكُنِ اسْمُ اللَّهِ مُبَارَكاً مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ لأَنَّ لَهُ الْحِكْمَةَ وَالْجَبَرُوتَ. وَهُوَ يُغَيِّرُ الأَوْقَاتَ وَالأَزْمِنَةَ. يَعْزِلُ مُلُوكاً وَيُنَصِّبُ مُلُوكاً. يُعْطِي الْحُكَمَاءَ حِكْمَةً وَيُعَلِّمُ الْعَارِفِينَ فَهْماً. هُوَ يَكْشِفُ الْعَمَائِقَ وَالأَسْرَارَ. يَعْلَمُ مَا هُوَ فِي الظُّلْمَةِ وَعِنْدَهُ يَسْكُنُ النُّورُ» (دانيآل٢٠:٢-٢٢). وكانت له علاقة شخصية به، يجلس، ويحكي معه، يسبحه ويتضرع إليه، ثلاث مرات في اليوم، ويقبل أن يموت ولا يحرم من محياه. لذلك نصب له الأشرار شركًا فجعلوا الملك يصدر أمراً ملكيًا بأن كل إنسان يصلي أو يطلب من إله أو إنسان غير الملك داريوس لمدة ٣٠ يومًا يُطرح في جُب الأسود. طبعًا رفض دانيآل، وبإصرار، أن يُحرم من حمد إلهه ولو ليوم واحد، فألقوه في الجب، فقضى ليلة أعتقد هي الأجمل. ولما جاء الملك باكراً ناداه بصوت أسيف: «يَا دانيآل عَبْدَ اللَّهِ الْحَيِّ هَلْ إِلَهُكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ دَائِماً قَدِرَ عَلَى أَنْ يُنَجِّيَكَ مِنَ الأُسُودِ؟» فَتَكَلَّمَ دانيآل مَعَ الْمَلِكِ: «يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ عِشْ إِلَى الأَبَدِ! إِلَهِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَسَدَّ أَفْوَاهَ الأُسُودِ فَلَمْ تَضُرَّنِي لأَنِّي وُجِدْتُ بَرِيئاً قُدَّامَهُ» (دانيآل٦: ٢٠-٢٢).
أعزائي الشباب:
ما زال هذا الإله حي معي ومعك «يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ»، فليتنا نتعرف عليه، نحبه، نتمتع به، ونمكث في حضرته، وننبهر به.
إله دانيآل ورب داوود
بنؤمن إنه ما زال موجود
ينجي عبيده حسب وعده
من سيف جليات وجب أسود