بينما كان بطرس ويوحنا يُخَاطِبَانِ الشَّعْبَ اليهودي عن موت وقيامة المسيح، أَقْبَلَ عَلَيْهِمَا ثلاث فئات:
الكهنة: ويمثلون السلطة الدينية، وكان عليهم مسؤولية تعليم الشعب كلمة الله (ملاخي٢: ٧)، لكنهم بالأسف تحولوا عن الهدف العظيم، وصاروا يقاومون الرب يسوع وعمله وتلاميذه.
قَائِدُ جُنْدِ الْهَيْكَلِ: على الأرجح أنه من سبط لاوي، لأن اللاويين كان عليهم مسؤولية حراسة خيمة الإجتماع، ثم بعد ذلك الهيكل، لمنع دخول الأمم والأجانب (عدد١٨: ١-٤).
الصَّدُّوقِيُّونَ: أحد أحزاب اليهود، وكانوا لا يؤمنون بالقيامة ولا بالملائكة ولا بالأرواح (أعمال٢٣: ٨).
وإن كان الفريسيون يمثلون التقليد والتشدد والتزمت، فالصدوقيون يمثلون المدرسة المتحررة والعقلانية، وينادون بعدم الإلتزام بالقوانين والأفكار التقليدية.
أظهر الفريسيون عدائهم الشديد للرب يسوع في حياته، والذي انتهى بموته مصلوبًا، لكن أظهر الصدوقيون عدائهم الشديد لتلاميذه لأنهم نادوا بقيامته. «مُتَضَجِّرِينَ مِنْ تَعْلِيمِهِمَا الشَّعبَ، وَنِدَائِهِمَا فِي يَسُوعَ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ» على الأرجح أن بعضًا من الشعب الذين شاهدوا المعجزة، ثم سمعوا عظة بطرس، أسرعوا وأخبروا رؤساء الشعب بما كان، فأتوا لمجرد المقاومة، وليس للتحقق من صحة ما قد حدث.
«مُتَضَجِّرِينَ» أي متضايقين ومغتمين، وهذا ما يفعله الشرير مع الصديق، «الشِّرِّيرُ يَتَفَكَّرُ ضِدَّ الصِّدِّيقِ وَيُحَرِّقُ عَلَيْهِ أَسْنَانَهُ... الشِّرِّيرُ يُرَاقِبُ الصِّدِّيقَ مُحَاوِلاً أَنْ يُمِيتَهُ» (مزمور٣٧: ١٢، ٣٢).
الكلام عن قيامة المسيح يهدم عقيدة الصدوقيين، وإذا تشكك الشعب في العقيدة اللاهوتية لقادتهم، فهذا يُضعف من سلطتهم.
المسيحية بُنيت على حقيقة موت المسيح وقيامته: «الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ» (١كورنثوس١٥: ٣، ٤).
قاوم الصدوقيون خبر قيامة المسيح وذلك بإشاعة كاذبة بين الشعب، بأن تلاميذه سرقوا الجسد والعسكر نيام (متى٢٨: ١١-١٥)، ثم أخذوا موقف العنف والإضطهاد، وذلك بالقبض على بطرس ويوحنا؛ لأن كل من يرفض الحق يقاومه بالإفتراء والكذب، ثم تأخذ مقاومته طابع العنف والإضطهاد.
لم يكن تعليم الرسولين هو قيامة المسيح فقط، لكن قيامته من الأموات، أي قيامة المسيح مع استمرار الأموات في قبورهم، فالمسيح قام باكورة الراقدين، وعندما يأتي المسيح ثانية سيقوم كل المؤمنين الراقدين (الأموات في المسيح)، وسيغير المؤمنين الأحياء، ونُخطف جميعًا لملاقة الرب في الهواء، مع استمرار بقية الأموات الأشرار في قبورهم، حتى وقت دينونة الأموات، حين يقفون أمام العرش العظيم الأبيض (رؤيا٢٠: ١١-١٥).
«فَأَلْقَوْا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ وَوَضَعُوهُمَا فِي حَبْسٍ إِلَى الْغَدِ، لأَنَّهُ كَانَ قَدْ صَارَ الْمَسَاءُ»: بعد معجزة شفاء الأعرج الذي كان يجلس على باب الهيكل الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْجَمِيلُ، باسم يسوع المسيح الناصري، تَرَاكَضَ جَمِيعُ الشَّعْبِ؛ فانتهز بطرس الفرصة وشهد عن موت وقيامة الرب يسوع بشجاعة وقوة، وهذا ما قاله الرب لتلاميذه بعد قيامته: «لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا» (أعمال١: ٨).
هنا نجد بداية اضطهاد الكنيسة، ودائمًا يبدأ الاضطهاد على القادة، والرب يسوع شجَّع المتألمين من أجله بالقول: «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ» (متى٥: ١١، ١٢).
دائمًا عندما ينجح العمل الروحي، نجد مقاومة الشيطان، عدو الخير الذي يستخدم جنوده الأشرار، والذين يملأهم الحقد والكراهية، محاولاً تعطيل عمل الله، فلقد القوا القبض عليهما قبل ينهي بطرس خطابه للشعب.
لكن بطرس ويوحنا كان معهما كلمة الله وقوة الروح القدس ومعية الرب يسوع شخصيًا (متى٢٨: ٢٠).
على خدام المسيح أن يكون لديهم الاستعداد لتحمل الألم والسجن من أجل الرب، والاستعداد للموت (رؤيا٢: ١٠)، وأيضًا العزيمة القوية لاستمرار الشهادة عن المسيح وعمله، ولا بد أن الله سيتدخل ويشجِّع خدَّامه الأتقياء.
قبل الصليب مباشرة، قال بطرس للرب يسوع: «يَارَبُّ، إِنِّي مُسْتَعِدٌّ أَنْ أَمْضِيَ مَعَكَ حَتَّى إِلَى السِّجْنِ وَإِلَى الْمَوْتِ!» (لوقا٢٢: ٣٣)، وها هو يدخل الحبس لأول مرة مع يوحنا الحبيب، من أجل شهادته عن قيامة المسيح من الأموات.
«لأَنَّهُ كَانَ قَدْ صَارَ الْمَسَاءُ» لقد صعد بطرس ويوحنا إلى الهيكل في ساعة الصلاة التاسعة أي الثالثة عصرًا بتوقيتنا الحالي، وحدثت المعجزة، وتراكض الشعب إلى الهيكل، ثم عظة بطرس، فكل هذا أخذ وقتًا، واليوم اليهودي ينتهي الساعة السادسة مساءً، فتم القبض عليهما بنية تقديمهما للمحاكمة عند انعقاد مجمع السنهدريم صباحًا، ولأن الوقت صار مساءً فتم وضعهما في الحبس.
لكن في الحقيقة قد أتى المساء على هذه الأمة التي رفضت المسيح وصلبته، ثم أيضًا رفضت رسله واضطهدتهم، وبذلك حل عليهم الظلام، ونحَّاهم الله جانبًا كإناء للشهادة، وصارت بعد ذلك الكنيسة هي المسؤولة عن الشهادة للمسيح.
«وَكَثِيرُونَ مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا الْكَلِمَةَ آمَنُوا، وَصَارَ عَدَدُ الرِّجَالِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفٍ» بالرغم من القبض المفاجئ على الرسولين، لكن نجد تأثيرًا عظيمًا لكلمة الله؛ فبالرغم من بداية الاضطهاد لكن نجد تزايد في عدد المؤمنين، وهذا ما حدث قديمًا مع بني إسرائيل في أرض مصر، «وَلكِنْ بِحَسْبِمَا أَذَلُّوهُمْ هكَذَا نَمَوْا وَامْتَدُّوا» (خروج١: ٢).
في العظة الأولى لبطرس في يوم الخمسين ربح ثلاثة آلاف نفس للمسيح، وفي العظة الثانية له في رواق سليمان ربح ألفان، وبذلك صار عَدَدُ الرِّجَالِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفٍ.
فعندما قبضوا على اثنين من الرسل، وظنوا أن عدد المؤمنين قد نقص اثنين، ولكنهم فوجئوا أن عدد المؤمنين قد زاد ألفان. فإن سجنت السلطات المنادين بالحق، فالحق نفسه لا يُسجن، لأن «كَلِمَةَ اللهِ لاَ تُقَيَّدُ» (٢تيموثاوس٢: ٩).
إن الإضطهاد لا يُضعف الكنيسة بل يجعلها تنمو وتزداد في العدد، بينما الراحة والإسترخاء يؤديان إلى الضعف ومحبة العالم، والانشغال بالأمور الفانية وليست الأبدية.
ليحفظنا الرب من الخوف الذي يمنع البعض من الشهادة عن المسيح وعمله، تشجع ولا تخف، اشهد عن الرب يسوع وعمله لتخلص النفوس البعيدة من خلال سلطان كلمته وقوة روحه القدوس.
وللحديث بقية أمين هلال