استخدم الله بطرس ويوحنا في شفاء الأعرج، باسم يسوع المسيح الناصري، فانتهز بطرس فرصة من تراكض الشعب إلى رواق سليمان، وخاطبهم عن موت المسيح وقيامته، ثم قدَّم لهم الدعوة للتوبة وقبول المسيح، «فأَقْبَلَ عَلَيْهِمَا الْكَهَنَةُ وَقَائِدُ جُنْدِ الْهَيْكَلِ وَالصَّدُّوقِيُّونَ، وأَلْقَوْا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ وَوَضَعُوهُمَا فِي حَبْسٍ، لأَنَّهُ كَانَ قَدْ صَارَ الْمَسَاءُ، وفي الْغَدِ اجْتَمَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ» وأتوا بهما من الحبس.
كان مجمع السنهدريم يتكون من سبعين من الشيوخ ويرأسهم رئيس الكهنة، مثل عدد الشيوخ الذين عاونوا موسى (عدد١١: ١٦، ٢٤)، وهم نفس الأشخاص الذين أصدروا حكم الصلب على الرب يسوع (متى٢٧: ١).
اجتمع المجمع حول بطرس ويوحنا لمحاكمتهما، بسبب المعجزة التي حدثت، وبسبب عظة بطرس في رواق سليمان، وأرادوا بث الخوف في نفسي الرسولين. لم يكونا في حالة خوف، بل وقفا بثبات، وكان المتكلم فيهما هو الروح القدس (متى١٠: ١٩، ٢٠)، وكان بطرس هو المتقدم في الكلام.
«وَلَمَّا أَقَامُوهُمَا فِي الْوَسْطِ، جَعَلُوا يَسْأَلُونَهُمَا: بِأَيَّةِ قُوَّةٍ وَبِأَيِّ اسْمٍ صَنَعْتُمَا أَنْتُمَا هذَا؟»، لم يكن الهدف من السؤال هو معرفة الحقيقة، لأنهم بالتأكيد قد سمعوا من الجموع أن المعجزة تمت باسم يسوع المسيح الناصري، بل إرهاب الرسولين، ولكنهم فوجئوا بالقوة التي يتكلم بها بطرس عن الرب يسوع.
لقد بدأت المحاكمة بسؤالين، فانتهز بطرس هذه الفرصة الذهبية وكرز بالإنجيل لمجمع السنهدريم بقوة ولم يَخَف، «حِينَئِذٍ امْتَلأَ بُطْرُسُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ»، ففي هذه اللحظات العصيبة على الرسولين أخذ بطرس معونة خاصة لكي يواجه القادة الأشرار، لأنه في الأوقات العصيبة والصعبة يعطينا الله امتلاء من الروح القدس وشجاعة لمواجهة المواقف.
وَقَالَ لَهُمْ: «يَا رُؤَسَاءَ الشَّعْبِ وَشُيُوخَ إِسْرَائِيلَ، إِنْ كُنَّا نُفْحَصُ الْيَوْمَ عَنْ إِحْسَانٍ إِلَى إِنْسَانٍ سَقِيمٍ»، وهنا بطرس يتكلم باحترام لهم كقادة للأمة، لكن يوبخهم لأنهم يحاكمونه هو ويوحنا على إحسان صُنع مع إِنْسَانٍ سَقِيمٍ، فهذا غير منطقي، فالمفروض أن الرؤساء يُحاكمون الفجار والأشرار الذين يرتكبون الجرائم، وليس لمن يعمل الخير.
«فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، أَنَّهُ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ».
كان يمكن لبطرس أن يجيب على السؤال فقط أن هذه المعجزة قد تمت باسم يسوع المسيح الناصري، ولكنه أضاف قائلاً: «الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ»، وبذلك يثبت جريمتهم الشنيعة، وخطيتهم الفظيعة، لقد نسب بطرس جريمة صَلب المسيح هنا إلى مجمع السنهدريم لأنهم هم الذين حكموا على المسيح بالصلب.
وللأسف لم تتحرك ضمائرهم لأنها أصبحت موسومة، وقلوبهم قد قساها الشيطان، مستخدِمًا في هذا خوفهم من هدم نظامهم الديني، وفقدان سبل معيشتهم.
ثم يعلن قيامة المسيح: «الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ»، وبذلك يذكرهم بكذبهم (متى٢٨: ١٢، ١٣)، وبقوته صُنعت هذه المعجزة، «وبِذَاكَ وَقَفَ هذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحًا».
«هذَا هُوَ: الْحَجَرُ الَّذِي احْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا الْبَنَّاؤُونَ، الَّذِي صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ» يُعلن بطرس لهم أن يسوع المسيح الناصري هو الحجر، أي أنه هو موضوع نبوات العهد القديم (مزمور١١٨: ٢٢، ٢٣).
وقصة هذا الحجر، أنه حدث في بناء هيكل سليمان، أن أرسل النحاتون من الجبل أنواعًا مختلفة من الحجارة، بعضها للأساس والأخرى للحوائط، وجاء أيضًا هذا الحجر المختلف عن كل أنواع الحجارة الأخرى، فرفضه البناؤون في البداية، وطرحوه بعيدًا، في وادي قدرون، وعندما قارب البناء على الانتهاء، اكتشفوا أن الحجر الذي يوضع على قمة البناء ليربطه بقوة، غير موجود، فبحثوا عنه، وتذكروا أنهم من سبع سنوات ماضية رفضوه، فأتوا به وصار رأس الزاوية، وكل يهودي يعرف جيدًا قصة هذا الحجر.
الرب يسوع هو الحجر الذي رفضه شيوخ ورؤساء الأمة اليهودية، فصلبوه، لكن الله أقامه من الأموات، ورفعه وأجلسه عن يمينه في السماويات، وصار حجر رأس الزاوية (أفسس٢: ٢٠)، والدليل على ذلك هو شفاء الأعرج باسمه.
ويعلن لهم أن المسيح ليس فقط هو الحجر، بل هو أيضًا المخلص الوحيد «وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ»، أي لا تلتفتوا يمينًا ويسارًا، تعالوا إليه وحده وهو يخلصكم من خطاياكم (أعمال١٦: ٣١).
كم هو مرعب لكل شخص يرفض الرب يسوع المسيح المخلص، أو يؤجل أمر خلاصه، لأن المصير هو الهلاك الأبدي!
«فَلَمَّا رَأَوْا مُجَاهَرَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، وَوَجَدُوا أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا الْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ، تَعَجَّبُوا» تعجبوا من الشجاعة والجرأة التي كان يتكلم بها بطرس ويوحنا، مع أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا الْعِلْمِ، أي لم يتعلما في مدارس معلمي الشريعة، وَعَامِّيَّانِ أي من عامة الشعب، ولكنهما تعلما من الكتب المقدسة، ومن رفقتهما للرب يسوع، ومن الروح القدس الساكن فيهما.
«فَعَرَفُوهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ» وذلك من طريقة كلامهما، وأيضًا من شجعاعتهما وثباتهما، لقد كان المسيح فيهما، وكان معهما شخصيًا بحسب وعده (متى٢٨: ٢٠).
كانت شهادة الرسولين قوية جدًا بسبب وجود «الإِنْسَانَ الَّذِي شُفِيَ وَاقِفًا مَعَهُمَا»، وستظل حجتنا ضعيفة، وشهادتنا باهتة، طالما لا يوجد فيما بيننا أمثال هؤلاء الذين تمت فيهم معجزة التغيير.
لم يستطع مجمع السنهدريم بشيوخه ورؤساء الكهنة وكتبته مواجهة صيادي السمك: بطرس ويوحنا، «فَأَمَرُوهُمَا أَنْ يَخْرُجَا إِلَى خَارِجِ الْمَجْمَعِ، ثم تآمروا فيما بينهم، واتفقوا على تَهْدِيدهما بأَنْ لاَ يُكَلِّمَا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ فِيمَا بَعْدُ بِهذَا الاسْمِ». كان هدفهم ألا يتكلم الرسل عن اسم يسوع وعمله، ومع الوقت سوف ينتهي الأمر، وسوف يُنسى اسم يسوع المسيح، وهذا هو هدف الشيطان، الذي من البداية يحاول أن يُسكت شعب الرب عن الشهادة باسم الرب يسوع المسيح. لذلك واجبنا أن نتكلم بإستمرار عن الرب يسوع المسيح وعمله، يقول بولس الرسول: «إِذِ الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ، فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ» (١كورنثوس٩: ١٦).
رفض بطرس ويوحنا هذا التهديد، وفي هذا كان ردًا قاطعًا وحاسمًا من الرسولين، باستمرار الشهادة عن الرب يسوع المسيح، «وَبَعْدَمَا هَدَّدُوهُمَا أَطْلَقُوهُمَا».
بالرغم من مقاومة مجمع السنهدريم لعمل الله، لكن كثيرون آمنوا بالمسيح، وانتشر الإنجيل في كل مكان.
ليتنا نتشجع ونكرز بالكلمة، وحتى إن وُجدت صعوبات أو مضايقات، لكن كلمة الله لا تُقيد.
للحديث بقية