في كتابه “يسوع، السيرة الأعظم” يتناول الكاتب تشارلز سويندول الإجابة عن السؤال الهام الذي سأله المسيح لتلاميذه: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ أَنِّي أَنَا؟»، لا بدراسة شخصية المسيح فحَسب، بل بالتأمل أيضًا في حياة البعض من تلاميذه، وكذا مَن أدعوّا أنهم تلاميذه، ومنهم الشخصية موضوع حديثنا لهذا المقال. والحقيقة أن إجابة هذا السؤال تحدّد الطريقة التي بها نحيا هُنا، وإلى الأبد!
ويضع الكاتب أمامنا أربعة مبادئ تحذيرية من حياة رجل قال عنه المسيح: «كَانَ خَيْرًا لِذلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ» (مرقس١٤: ٢١).
أولاً، الارتباط بتلاميذ المسيح لا يعني بالضرورة أنك تلميذ للمسيح!
لقد سمع يهوذا كل عظات المسيح، بل وتفسيره لكل شيء لتلاميذه على انفراد. لقد دخل يهوذا وخرج مع المسيح وتلاميذه، وأكل وشرب معهم، وخدم مثلهم، وكان معدودًا بينهم، ولكنه أبدًا لم يكن واحدُا منهم!
فبرغم مظهره الجيد، إلا أن السوس كان ينخر فيه حتى النخاع! ففي البداية ألقى الشيطان في قلبه فكرة، وكأنها مجرد بذرة! «فَحِينَ كَانَ الْعَشَاءُ، وَقَدْ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ» (يوحنا١٣: ٢).
ودائمًا ما يلقي الشيطان بذارًا في قلوبنا، لكن كيفية تجاوبنا معها هو ما يصنع الفارق! وللأسف، فتح يهوذا الباب بنفاقه، فانسل منه الشيطان تحت جنح الظلام. وإذ أفسح المجال لأفكار إبليس ترعى بقلبه، تطوَّر الأمر لتهيئة مكانًا لإبليس نفسه بداخله، متوليًا مواقع الإدارة بكيانه! «فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ» (يوحنا١٣: ٢٧). وأخيرًا، تملّك الشيطان منه بالكامل، فصار هو نفسه شيطانًا! أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ أَنِّي أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، الاثْنَيْ عَشَرَ؟ وَوَاحِدٌ مِنْكُمْ شَيْطَانٌ!» (يوحنا٦: ٦٦-٧٠).
وبالمثل شوهد شاول الملك إلى جوار صموئيل النبي مرارًا وتكرارًا، بل شوهد يومًا يتنبأ بين الأنبياء، بينما لم يكن أبدًا واحد منهم. وكذا سيمون الذي لازم فيلبس إلى أن افتُضح زيف ادعائه! (أعمال الرسل٨).
ودعني أسألك عزيزي، هل كل ما لديك هو صحبة حلوة مع تلاميذ المسيح، أم لك علاقة حقيقية بشخص المسيح!
ثانيًا، الفساد الأدبي الخفي أشد فتكًا وهولاً من الفساد الأدبي العلني.
فليس هناك ما هو أخبث من ذلك السرطان الذي يستعصي على الكشف بينما يستشري في الجسد لهلاكه. كان يهوذا يحاول الظهور بمظهر أمين الصندوق الذي يحرص على أمواله لمصلحة الفقراء، بينما كان سارقًا له! «كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ» (يوحنا١٢: ٣-٦).
ويضيف الكاتب: “لقد كانت علّة يهوذا هي النفاق! وحياة النفاق تبدأ دائمًا كشقٍ ضئيل يتمثل في التصميم على إخفاء خطية معينة. والخطية السرية لها سبيلها في إفساد الذهن وإحداث تشوهات رهيبة على مستوى الكيان كله، إذ سوف يملأ الشيطان تلك الفجوة ما بين ذاتنا السرية وذاتنا العلنية. هكذا عاش يهوذا ومات عالقًا في أشراك علاقة غرام سرية مع الخطية!” ولنا جميعًا التحذير الواضح: «لاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَانًا» (أفسس٤: ٢٧).
وبالمثل عاش شاول الملك طوال حياته بمظهر بعيد تمامًا عن جوهره. «فَمَاتَ شَاوُلُ بِخِيَانَتِهِ الَّتِي بِهَا خَانَ الرَّبَّ مِنْ أَجْلِ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي لَمْ يَحْفَظْهُ. وَأَيْضًا لأَجْلِ طَلَبِهِ إِلَى الْجَانِّ لِلسُّؤَالِ» (١أخبار١٠: ١٣).
وكذلك، «خَانَ عَخَانُ بْنُ زَارَحَ خِيَانَةً فِي الْحَرَامِ» فرأى واشتهى، ثم أخذ وطمر (يشوع٧). لا علاج للخطايا المكتومة إلا أن نعترف بها للرب ونكشفها في نور محضره. «مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ، وَمَنْ يُقِرُّ بِهَا وَيَتْرُكُهَا يُرْحَمُ» (الأمثال٢٨: ١٣). «أَعْتَرِفُ لَكَ بِخَطِيَّتِي وَلاَ أَكْتُمُ إِثْمِي. قُلْتُ: “أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِذَنْبِي” وَأَنْتَ رَفَعْتَ أَثَامَ خَطِيَّتِي» (المزامير٣٢: ٥).
ثالثًا، بين “عَاهَدُوهُ” “فَوَاعَدَهُمْ”، عاش يهوذا يَطْلُبُ فُرْصَةً مُوافِقَةٍ
«فَفَرِحُوا وَعَاهَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً. فَوَاعَدَهُمْ. وَكَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ خِلْوًا مِنْ جَمْعٍ» (لوقا٢٢: ٥، ٦). وهكذا عاش شاول حياته يتحين فرصة تلو الأخرى لقتل داود. وكذلك أمنون الشرير، الذي كان يطلب فرصة - خِلْوًا مِنْ جَمْعٍ، كيهوذا - وإذ توافرت له الفرصة، قَالَ «أَخْرِجُوا كُلَّ إِنْسَانٍ عَنِّي» ليفعل فعلته الشريرة (٢صموئيل١٣: ٩-١٥).
«فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا دُعِيتُمْ لِلْحُرِّيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ. غَيْرَ أَنَّهُ لاَ تُصَيِّرُوا الْحُرِّيَّةَ فُرْصَةً لِلْجَسَدِ» (غلاطية٥: ١٣). فأحذر عزيري ألاّ تعيش حياتك مدفوعًا بالبحث عن فرصة مواتية لتتم فيها نزعات قلبك الرديئة، فالحقيقة المخيفة التي ربما لا ننتبه إليها هي أن الشيطان هو مَن يتحين الفرص من خلال أي شخص يعيش تلك النوعية من الحياة المزدوجة ليهجم عليه ويوقع به، بل ويستخدمه كأداة لإفساد حياة آخرين أيضًا! فلم يمُرّ وقتًا طويلاً ما بين «فَأَخَذَ عَخَانُ مِنَ الْحَرَامِ»، حتى صار هو نفسه «الْمَأْخُوذُ بِالْحَرَامِ»! (يشوع٧: ١، ١٥).
وما أن يفرغ الشيطان من استغلال كل فرصة لخدمة مقاصده، سيٌكشف قناع الخداع المرير وتظهر عواقب كل مرة أعطيناه فيها الفرصة للتواجد في حياتنا من خلال خطايا رعيناها بقلوبنا ولم نعترف بها. من أجل هذا يأتينا التحذير، «اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ» (١بطرس٥: ٨).
رابعًا، الإخفاق في إقامة الرابط الواجب ما بين الندم والتوبة!
لقد أخفق يهوذا في مماته تمامًا كما أخفق في حياته. فتوَّج بذلك حياة النفاق التي عاشها بقرار مأساوي، فانفضح زيفه، وانكشف قبحه الذي ذهب حتى الأحشاء! «وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسْطِ، فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا!» (أعمال١: ١٨).
وما مِن أسى يُضاهي ندامة أن يكتشف المرء، بعد فوات الأوان، أنه رفض اليد الممدودة وازدرى بأحضان المحبة، وأضاع فرصة التوبة إلى الأبد. ترى هل قادك الندم إلى حُزن بحسب مشيئة الله؟ «لأَنَّ الْحُزْنَ الَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يُنْشِئُ تَوْبَةً لِخَلاَصٍ بِلاَ نَدَامَةٍ» (٢كورنثوس٧: ٨-١١).
وفي النهاية، لم يرَ يهوذا في المسيح وصُحبته سوى فرصة لتحقيق مآربه الشخصية. كان هذا هو المسيح بالنسبة ليهوذا، وكانت تلك هي إجابته عن السؤال! ترى ماذا عن إجابتك أنت أيها القارئ العزيز، “مَن هو المسيح بالنسبة لك؟”