بعد أن تكوَّنت الكنيسة يوم الخمسين، كَان المؤمنون مَعًا، في محبة وفرح حقيقي، وشركة بعضهم مع بعض.
«لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مُحْتَاجًا، لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ حُقُول أَوْ بُيُوتٍ كَانُوا يَبِيعُونَهَا، فَكَانَ يُوزَّعُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ كَمَا يَكُونُ لَهُ احْتِيَاجٌ» (أعمال٤: ٣٢-٣٥). وكان هذا نابعًا من محبتهم للرب ولبعضهم بعض، وإنكارهم لأنفسهم.
كان المؤمنون في ذلك الوقت يبيعون أملاكهم لأنهم:
١. ينتظرون مجيء الرب للاختطاف.
٢. ينفذون وصية الرب يسوع الذي قال: «لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ» (متى٦: ١٩).
٣. صدَّقوا كلام الرب عن هدم الهيكل (متى٢٤: ٢)، وأيضًا عن هدم مدينة أورشليم (لوقا١٩: ٤٣، ٤٤).
يُختم أعمال٤ ببرنابا الذي «كَانَ لَهُ حَقْلٌ بَاعَهُ، وَأَتَى بِالدَّرَاهِمِ وَوَضَعَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ» وعلى الأرجح نال مدحًا من الرسل والكنيسة.
هذا جعل حنانيا يغار، وأراد أن يأخذ مدحًا كما أخذ برنابا، فلذلك باع حقله، ولكن لم يكن قلبه كاملاً. قرر حنانيا أن يُقدِّم الحقل كله للرب، وبالتالي صار ثمن هذا الحقل مِلكًا للرب، لكنه بالأسف رجع في كلامه، وأخذ من ثمن الحقل، لذلك اعتبر الروح القدس أن هذا اختلاسًا، وقدم المبلغ الباقي «وَوَضَعَهُ عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ»، على أساس أنه ثمن الحقل كله.
حنانيا اسم جميل معناه “حنان يهوه”، وسفيرة معناها “جميلة أو مضيئة”، ولكن بالأسف هما الاثنين لم يكونا اسمًا على مسمى.
وهنا نـجد عِدَّة خطايا ارتكبها حنانيا في هذا الموقف:
أولاً: الكذب. لم يتهِم بطرس حنانيا بالكذب على الرسل أو الكنيسة، بل على الروح القدس نفسه، ولقد حذرنا الكتاب من الكذب «اِبْتَعِدْ عَنْ كَلاَمِ الْكَذِبِ» (خروج٢٣: ٧)، «لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ» (كولوسي٣: ٩). مكتوب: «تُهْلِكُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِالْكَذِبِ» (مزمور٥: ٦)، وأيضًا «جَمِيعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ» (رؤيا٢١: ٨). كثير من الناس اليوم يعتبرون الكذب شيئًا عاديًا، وبعض من المؤمنين يسقطون في خطية الكذب.
ثانيًا: الاختلاس. لأنه قرَّر أن ثمن الحقل كله للرب، وبعد ذلك غيَّر رأيه وأخذ من المبلغ الذي خصَّصه للرب فلذلك يعتبر أنه مختلس، لقد كانت محبة المال مسيطرة على حنانيا (١تيموثاوس٦: ١٠).
ثالثًا: الرياء. لأنه أتى بجزءً وكأنه الكل، لكي يظهر بمظهر الأخ المُكرَس، الذي أعطى كل حقله للرب وهو لم يفعل ذلك.
رابعًا: لم يُقدِّر حضور الروح القدس في الكنيسة، لقد تصرف حنانيا وكأن أمره مع البشر فقط، وتجاهل حضور الروح القدس. لقد خُدِع حنانيا من الشيطان، الذي تعامل مع الطبيعة الفاسدة التي فيه، فأغراه أن يحصل على الشهرة والمديح، وفي نفس الوقت يحتفظ بجزء من المال للمستقبل، ويجب أن نلاحظ أن الشيطان بمقدوره أن يخدع، لكن ليس بمقدوره أن يُجبر أحدًا على فعل شيئًا.
قال له بطرس: «أَلَيْسَ وَهُوَ بَاق كَانَ يَبْقَى لَكَ؟ وَلَمَّا بِيعَ، أَلَمْ يَكُنْ فِي سُلْطَانِكَ؟ فَمَا بَالُكَ وَضَعْتَ فِي قَلْبِكَ هذَا الأَمْرَ؟ أَنْتَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى النَّاسِ بَلْ عَلَى اللهِ».
أي لم يجبرك أحد على بيع الحقل، وعندما بِعِتَ الحقل، كان في سلطانك أن تقدِّم أو لا، أو تقدِّم جزءًا من الكل، لأن العطاء لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ اضْطِرَارٍ، وبما أن لك مُطلق الحرية في العطاء من عدمه، فلماذا ارتكبت هذه الخطايا؟
فوجئ حنانيا بتوبيخ بطرس وغضبه المقدس، فوَقَعَ وَمَاتَ، وكان القضاء سريعًا. وربما يتساءل البعض، لماذا جاء القضاء سريعًا وبهذه الصورة؟ وذلك لأنه في بداية تدبير جديد، وهو تدبير النعمة حيث تأسست الكنيسة جسد المسيح. ففي بداية كل تدبير جديد يكون الله صارمًا مع من يخطيء، حتى يكون عند الجميع خوفًا، ومن ثم لا يرتكبون هذه الشرور (اقرأ خروج٣٢؛ يشوع٧).
من الخوف والرهبة التي حدثت، لم يتحرك أحدًا من مكانه، غير الأحداث الذين حملوه خارجًا ودفنوه، وبالتالي لم يُعمل له جنازة، بعكس الذي حدث مع أستفانوس، إذ بعد رجمه حَمَلَه رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ «وَعَمِلُوا عَلَيْهِ مَنَاحَةً عَظِيمَةً» (أعمال٨: ٢).
كان لسفيرة خبر بالكذب والاختلاس في البيت ع٢، ولكن وَلَيْسَ لَهَا خَبَرُ مَا جَرَى خارج البيت ع٧، أي موت رجلها ثم دفنه، وقد جاءت الاجتماع، فسألها بطرس لكي يعطي لها فرصة للإجابة، «قُولِي لِي: أَبِهذَا الْمِقْدَارِ بِعْتُمَا الْحَقْلَ؟»، فإذا أعلنت الحقيقة تنجو من القضاء، أما إذا لم تعلن الحقيقة وأصرت على الكذب فستكون النتيجة هي الموت. ولكنها بالأسف «قَالَتْ: نَعَمْ، بِهذَا الْمِقْدَارِ»، وبالتالي لم تستفِد من الفرصة الذهبية التي أُتيحت لها لتنجو من القضاء. «فَقَالَ لَهَا بُطْرُسُ: مَا بَالُكُمَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى تَجْرِبَةِ رُوحِ الرَّبِّ؟»، أي لماذا لم تُقدِّرا حضور الروح القدس في الكنيسة، وأنه لا يفعل لهما شيئًا.
«اتَّفَقْتُمَا» جميل أن يتفق الرجل مع امرأته في كل شيء، وهذا لسلامة البيت، ولكن ليس في فعل الشر، وعصيان الرب وكلمته، لكن يتفقا معًا على إرضاء الرب. عندما لم تستفِد سفيرة من الفرصة التي كانت مقدَمة لها، أخبرها بطرس بالقضاء الذي تم على رجلها وهو موته ودفنه، ثم بالقضاء الذي سيأتي عليها، «فَوَقَعَتْ فِي الْحَالِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَمَاتَتْ»، فجاء عليها نفس القضاء وهو الموت، وبهذا أعطى الله للرسل وقارًا واحترامًا وسط القديسين.
رجع الشباب من دفن حنانيا، ووجدوا أن لهما أيضًا مهمة ثانية وهي دفن سفيرة امرأته، لقد عاشا الزوجان معًا، وعند الموت دُفنا بجوار بعضهما البعض.
«فَصَارَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى جَمِيعِ الْكَنِيسَةِ وَعَلَى جَمِيعِ الَّذِينَ سَمِعُوا بِذلِكَ»، كانت لحظات مُخيفة، زوجان يموتان في يوم واحد، وبخطايا واحدة، ولكن ما حدث ترك أثرًا عظيمًا، فلقد أعلن الله عن حضوره في وسط كنيسته، وذلك لكي يراعي كل المؤمنين قداسته، وعدم تهاونه مع الشر.
من السهل أن ندين حنانيا وسفيرة على ما فعلاه، لكن ليتنا نمتحن أنفسنا في محضر الرب، ونحكم على كل شر فينا، «اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا» (مزمور١٣٩: ٢٣، ٢٤).
للحديث بقية