توجَّهت أنظار عشّاق كرة القدم إلى قطر التي استضافت أحداث بطولة كأس العالم ٢٠٢٢، لأول مرة في التاريخ كدولة عربية، دارات أحداث المباريات سريعة ومثيرة ولم تخلُ من المفاجآت. لكن، بالرغم من أهمية الحدث، سلّطت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الضوء على بعض الرجال في المونديال، هم مجرد رجال من ضمن المشجعين أو العمال في المونديال، لكن بسبب تسليط الضوء عليهم، أصبحوا من نجوم المونديال خارج المستطيل الأخضر، دعونا نُلقي الضوء على بعضهم:
١- الرجل المجهول
بعد انتهاء مباراة “البرازيل وصربيا” وأثناء خروج الجمهور من بوابات الاستاد، لاحظ شابٌ مُلتفِحٌ بعلم فلسطين، مُعاناة أسرة في حَمل صغيرهم في الطريق إلى المترو، بسبب ثقل وزن الطفل عليهم وطول المشوار. لم يتردد الشاب في عرض خدماته بحمل الطفل على كتفيه نيابة عن ذويه الذين رحبوا بذلك العرض!
خلال ٢٤ ساعة، فوجئ الشاب “حسن سفاريني”، بحديث وسائل الإعلام العالمية كلها عنه، وانتشرت صوره وفيديوهات كثيرة بحثًا عنه على السوشيال ميديا! والسبب في ذلك يعود إلى مدرب منتخب البرازيل “تيتي” الذي لم يتمالك مشاعره أمام عدسات الكاميرا في المؤتمر الصحفي وهو يعلن تفاصيل تلك الواقعة بمساعدة ذلك “الرجل المجهول” الذي خفَّف عنه عناء السير حاملاً حفيده. تم التعرف على الشاب، ودعوته لحضور تدريبات منتخب البرازيل وهناك أهداه المدرب قميص منتخب البرازيل وعليه توقيع مجموعة من نجوم المنتخب كرة القدم.
لقد توقفت كثيرًا أمام تلك الواقعة، فقد ساعد “سفاريني” أسرة المدرب تيتي من دون معرفته له، أو حتى انتظار لأي مقابل منه. لمعت في ذهني تلك الآية الذهبية «فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ، فَذلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ» (يعقوب٤: ١٧). ليساعدنا الرب أن نفعل الحسن والخير تجاه الآخرين مِن دون توقُّع لأي مقابل وحتمًا سيكافئنا الرب بحسب غناه.
على جانب آخر، أعطاني ذلك “الرجل المجهول” صورة باهتة عن حبيبي ومُخلصي الرب يسوع الذي قد يكون مجهولاً للكثيرين، لكنه وحده القادر أن يريح مَن يثق فيه، ويحمله على أكتاف الراحة حاملاً عنه ثقل الخطايا «أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ لَهُ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَأَضَاعَ وَاحِدًا مِنْهَا، أَلاَ يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَيَذْهَبَ لأَجْلِ الضَّالِّ حَتَّى يَجِدَهُ؟ وَإِذَا وَجَدَهُ يَضَعُهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَرِحًا، وَيَأْتِي إِلَى بَيْتِهِ وَيَدْعُو الأَصْدِقَاءَ وَالْجِيرَانَ قَائِلاً لَهُمُ: افْرَحُوا مَعِي، لأَنِّي وَجَدْتُ خَرُوفِي الضَّالَّ! أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارًّا لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ» (لوقا١٥: ٤-٧).
٢- رجل المترو
هو الشاب الكيني “أبو بكر عباس” الذي تغيرت مجريات حياته بسبب عمله البسيط الذي كان عبارة عن ٣ كلمات! “مترو.. المترو من هنا”؛ موجِّهًا زوَّار المونديال إلى اتجاه المترو. لكنه أبدع، أتقن وابتكر في أداء عمله بصور مختلفة حتى صار واحدًا من أشهر رجال المونديال، وتفاعل الجمهور مع أنغام كلماته الثلاث وذهبوا لالتقاط الصور والفيديوهات معه. لاحظَت إدارة المترو، إتقانه للعمل فاتخذته كأيقونة لشبكات المترو في قطر، وسجَّلت الإعلانات بصوته في إذاعة المترو. أما إدارة المونديال فقد كرّمته، وانهالت عليه الهدايا من كل صوب وحدب.
أحبائي، دعونا نأخذ بنصيحة سليمان الحكيم «أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُجْتَهِدًا فِي عَمَلِهِ؟ أَمَامَ الْمُلُوكِ يَقِفُ. لاَ يَقِفُ أَمَامَ الرَّعَاعِ!» (أمثال٢٢: ٢٩). ويعطينا الكتاب المقدس، نماذج رائعة عن رجال أخلصوا في عملهم وأتقنوه وكانوا يؤدونه بكل أمانة واجتهاد، فكافأهم الرب بنفسه قبل الناس مِن حولهم، على سبيل المثال:
يوسف: كان أمينًا في بيت أبيه، وبيت فوطيفار، وحتى في السجن، فكافأة الرب بالنجاح حيثما وُجد، وأخرجه من السجن وجعله ثاني رجل في مصر بعد فرعون «وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ فَكَانَ رَجُلاً نَاجِحًا... وَ كُلَّ مَا يَصْنَعُ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ بِيَدِهِ» (تكوين٣٩: ٢، ٣).
دانيآل: الذي وضع الرب أمامه في كل حين، بالرغم من سبيه في بلاد غريبة، حتى أقامه الرب رئيسًا للوزراء «أَمَّا دَانِيآلُ فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ... عَظَّمَ الْمَلِكُ دَانِيآلَ وَأَعْطَاهُ عَطَايَا كَثِيرَةً، وَسَلَّطَهُ عَلَى كُلِّ وِلاَيَةِ بَابِلَ وَجَعَلَهُ رَئِيسَ الشِّحَنِ عَلَى جَمِيعِ حُكَمَاءِ بَابِلَ» (دانيال١: ٨؛ ٢: ٤٨).
٣- الرجل الساخر
بعد فوز المنتخب السعودي على الأرجنتين تحت قيادة أشهر لاعب كرة قدم في التاريخ “ليو ميسي” في أولى مبارايتهم في كأس العالم ٢٠٢٢، وأثناء احتفالات الجمهور السعودي، خرج أحدهم على شاشات التلفزيون مُتهكِمًا “وين ميسي؟” حتى صار شعار احتفالات الجمهور “ميسي وينه.. كسرنا عينه”، في مشاهد تحمل سخرية وازدراء. لم تمضِ سوى أيام معدودة وخسر المنتخب السعودي في جولاته وودَّع البطولة مُبكرًا، أما على الجانب الأخر، فقد فازت الأرجنتين بكل مبارياتها وكللت الانتصارات بالفوز بكأس البطولة، وتم تتويج ميسي “كأفضل لاعب في البطولة”. ومن بعد التتويج بالذهب تسألت الصحف العالمية عن الساخرين “أين منتخب السعودية وباقي الساخرين؟!”
أصدقائي، قد نكون في موقف مُشابه تلك الأيام (مع الفارق الكبير)، إذ يسخر الكثيرين من المسيح ولا يعطونه أي تقدير أو اعتبار غير مُدركين لمكانته أو شخصه! «عَالِمِينَ هذَا أَوَّلاً: أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الأَيَّامِ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ وَقَائِلِينَ: أينَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟ لأَنَّهُ مِنْ حِينَ رَقَدَ الآبَاءُ كُلُّ شَيْءٍ بَاق هكَذَا مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ» (٢بطرس٣: ٣، ٤). في الحقيقة، لا يحتاج الرب يسوع المسيح للرد على هؤلاء، سوف تمضي الأيام سريعًا وعندها سَيدُرك الجميع قوته ومكانته وربوبيته وعندها سوف »تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ» (فيلبي٢: ١٠، ١١).