كثيرًا ما نغتاظ ونتضايق لأننا قد ظُلمنا من الناس أو من الله، ونظن أننا دائمًا على صواب، ثم يأتي هذا السؤال من الله لي ولك «لِمَاذَا اغْتَظْتَ؟».
هذا السؤال سأله الرب قديمًا لقايين، عندما قدَّم لله من ثمار أرضه ولم يقبلها الله منه. ألم يكن لقايين الحق أن يغضب ويتضايق لأن الله فضَّل وميّز أخاه هابيل عنه؟
هل كان لقايين الحق أن يغتاظ ويتضايق مِن الله؟
صحيح أن قايين قدم لله مِن «أثْمَارِ الأرْضِ قُرْبَانا لِلرَّبِّ»، وفعلاً لم يقبلها الله منه «إلَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ لَمْ يَنْظُرْ» (تكوين٤: ٤، ٥). وهذا الرفض ليس لسبب تمييز الله لهابيل عن أخيه، بل السبب الرئيسي هو تمرد قايين نفسه على الله ومتطلبات الاقتراب إليه وغفران خطاياه. أقصُد الذبيحة التي حدَّد الله أهميتها في الاقتراب إليه، وهي طبعًا إشارة للطريق الوحيد الذي هو دم وكفارة المسيح. وعندما رفض قايين طريقة الذبيحة واستحدث أسلوبًا مبتكرًا، ألا وهو أعماله وقدَّم من ثمار الأرض. النتيجة أن الله رفضه. ولقد قدّم الله إليه الحل، مرة أخرى، حتى بعدما أخطأ، إذ قال له: «لماذَا اغْتَظْتَ وَلِمَاذَا سَقَطَ وَجْهُكَ؟ إنْ أحْسَنْتَ أفَلا رَفْعٌ. وَإنْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ وَإلَيْكَ اشْتِيَاقُهَا وَأنْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا» (تكوين٤: ٦-٧).
وبدلاً من أن يستفيد قايين من إمهال الله، ويرجع عن طريقه ويقدّم الذبيحة مثل أخيه هابيل، يا للأسف استمر في غيظه ومضى لينتقم منِ هابيل «وَحَدَثَ إذْ كَانَا فِي الْحَقْلِ أنَّ قَايِينَ قَامَ عَلَى هَابِيلَ أخِيهِ وَقَتَلَهُ» (تكوين٤: ٨). فيا للغباء والعناد!
لماذا نغتاظ أحيانًا ونتضايق من الله؟
مرات كثيرة يغتاظ البعض منا ويتضايق، بل وقد يتطاول على الله ببعض الكلمات. والسبب هو أن الله لم يفعل ما طلبناه منه. وأحيانًا تزداد مرارتنا عندما تأتي أشياء لحياتنا ليست في الحسبان أو تحدث أمورًا فوق طاقتنا.
مرة ظن أيوب أنه الله قد جعله وكأنه «لوحة تصويب» التي يرمي عليها السهام!! فيوم أن حلَّت به المتاعب وجاءت الكوارث، قال لله: «لِمَاذَا جَعَلْتَنِي عَاثُورًا لِنَفْسِكَ (هدفًا لك) حَتَّى أَكُونَ عَلَى نَفْسِي حِمْلًا؟» (أيوب٧: ٢٠).
لكن امرأته زادت في غيظها وتطاولها على الله وقالت لزوجها ساخرة: «أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ اللهِ وَمُتْ!» (أيوب٢: ٩).
ومرة أخرى عندما تعب موسى من شعبه ومن أفعالهم وتضجَّر من السير معهم، فذهب لله يقول له: «أَلَعَلِّي حَبِلْتُ بِجَمِيعِ هذَا الشَّعْبِ؟ أَوْ لَعَلِّي وَلَدْتُهُ، حَتَّى تَقُولَ لِي احْمِلْهُ فِي حِضْنِكَ» (عدد١١: ١٢).
هل أكون مُخطئًا أم على صواب عندما أغتاظ؟
أولاً: أسمح لي عزيزي القارئ أن أسرد لك ما حدث مع قايين الشرير، فهل كان له الحق أن يغتاظ مِن الله لأنه لم يقبَل قربانه؟ في الواقع أن الله عرّفه الطريق الحقيقي للذبيحة كما عرّف هابيل أخاه، وهذا كان من خلال والديه. كما أن الرب أعطاه فرصة أخرى ناصحًا إياه، لكنه لم يقبل وأصَّر على حنقِه وغيظِه.
ثانيًا: كم من المرات اغتظنا وتضايقنا من أمور مؤلمة، ونسينا أن الرب قال لنا إنه «سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ»، وأكد الكتاب هذه الحقيقة بالقول «إِنْ كَانَ يَجِبُ تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ» (١بطرس١: ٦).
ثالثًا: مرات أخرى قد يحدث لنا متاعب نتيجة ابتعادنا عن الرب وإصرار قلوبنا على العيش في أمور لا تمجّد الله. هذا ما أكده الرب بالقول: «يُوَبِّخُكِ شَرُّكِ، وَعِصْيَانُكِ يُؤَدِّبُكِ. فَاعْلَمِي وَانْظُرِي أَنَّ تَرْكَكِ الرَّبَّ إِلهَكِ شَرٌّ وَمُرٌّ» (إرميا٢: ١٩).
رابعًا: قد يكون لا سبب من الأسباب السابقة لمتاعبنا. إذًا لماذا المتاعب؟ وهنا يأتي دور الإيمان الحقيقي الذي يثق في محبة قلب الرب أبونا وصلاحه، حتى وإن كنا لا نفهم ماذا يفعل أو لماذا سمح. فالإيمان يجعل القلب واثقًا في الإله المحب الذي تنازل لأجلي متجسدًا على الصليب في المسيح، فكيف يكرهني أو ينساني أو يؤذيني؟ وما أروع ما قاله الوحي: «الَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ» (رومية٨: ٣٢).
وهذا الإيمان يجعلني أهدأ بدلاً من أن أغتاظ، وأسلم للآب الحنَّان متمثلاً بربنا يسوع وقت آلامه المكتوب عنه «وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ، بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْلٍ» (١بطرس٢: ٢٣). فهذا الإله العادل الحكيم لديه توقيت وخطة إلهيه يُشكِّل بها حياتي. هذا يجعلني ليس مستسلمًا فقط، بل متمتعًا بالأحضان الأبوية بقرب قلب الآب المكتوب عنه أيضًا أنه «أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلَهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا» (٢كورنثوس١: ٣، ٤).
ما أروع يوسف، الذي لا نقرأ عنه مرة واحدة، أنه تضجر أو اغتاظ أو عاتب الله. بل بالعكس نسمعه يكلم إخوته أكثر من مرة عن أن الله حوَّل الكل لخيره قائلاً: «أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا» (تكوين٥٠: ٢٠).
هل تصلي معي عزيزي القارئ، حتى يعطينا الرب توبة عن كل مرة احتدينا في دواخلنا واغتظنا، بل تطاولنا على الله العظيم، وذلك لأن الله لم يفعل ما نريد، والنتيجة أننا تعبنا وتمررنا. ما أروع ما قالته حنه وهي تصلي «لاَ تُكَثِّرُوا الْكَلاَمَ الْعَالِيَ الْمُسْتَعْلِيَ، وَلْتَبْرَحْ وَقَاحَةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ» (١صموئيل٢: ٣). كما أُصلي أن يعطيني الرب وأياك تسليمًا وثقة وهدوءًا ونحن نثق في الآب المحب فنتمتع وسط أزماتنا بسلام الله الذي يفوق كل عقل. وأترك بين يديك هذا القول المبارك «فَإِذًا، الَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ فَلْيَسْتَوْدِعُوا أَنْفُسَهُمْ كَمَا لِخَالِقٍ أَمِينٍ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ» (١بطرس٤: ١٩).