يُعَدّ سفر حزقيال واحدًا من أصعب الأسفار النبوية، ربما بسبب طابعه حيث إن جزء كبير من السفر عبارة عن رؤى وآيات وأمثال، أو بسبب موضوع النبوة، أو ربما بسبب أنه لم يكن لحزقيال الشهرة التي كانت لإشعياء وإرميا ودانيآل. أيًا يكن السبب، فالسفر به صعوبات في فهمه لكنه نافع جدًا لشعب الله وأرجو أن تساعدك هذه المقالة على فهم الخط العام للسفر وتشجِّعك على قراءته ودراسته.
حزقيال معنى اسمه “الله يقوي” وهو قريب من “حزقيا” الذي يعني “قوة يهوه”، كان كاهنًا (١: ٣) ومِن ضمن الذين سُبوا إلى بابل. وفي سن الثلاثين تكلم إليه الرب ودعاه ليكلم بيت إسرائيل الموجودين في السبي (١:١؛ ص٢؛ ص٣).
عَرَّفه الرب أن طابع خدمته هي كعمل “الرقيب” (٣: ١٧–٢١؛ ٣٣)، وهو الشخص الذي كان يقف على سور المدينة قديمًا لينبِّه أهلها لأي شرٍّ قادم. وقد كانت مسؤولية عظيمة لأنه سيكون مسؤولاً أمام الله عن كل نفس لم يحذرها. وهو في ذلك صورة لنا كمؤمنين مُرسَلين من الرب لهذا العالم لنحذِّره من القضاء ودينونة الله على الخطية (رومية٢: ١–٥).
تدرب حزقيال بعِدَة تدريبات ليكون مؤهَّلاً لمهمته؛ فهو قد رأى مجد الرب (ص١)، وسمع كلمة الرب (ص٢)، وتغذى بها (ص٣). وقد دعاه الرب ليشاركه أفكاره ومشاعره من جهة شعبه، للدرجة أنه أخذ منه زوجته (٢٤: ١٥–٢٧) وطلب منه ألا يندبها؛ وكان في ذلك آية لشعبه الذين سيأخذ الرب منهم الهيكل.
يشتهر حزقيال بلقب “ابن آدم” (حوالي ٩٠ مرة في السفر)، وناداه الرب به ليحفظه متضعًا وهو في هذا إشارة للرب يسوع “ابن الإنسان” في اتضاعه.
تنبأ حزقيال لمدة ٢٢ سنة (قارن ١: ٢ مع ٢٩: ١٧)، بِعِّدة نبوات على شعبه وعلى الأمم المحيطة، وكان موضوع نبوته القضاء الذي سيحل بالشعب ممثَّلاً في المرحلة الثالثة للسبي البابلي التي فيها سَتُخرَب مدينة أورشليم وَيُهدَم الهيكل؛ وهي صورة أيضًا لضيق مستقبلي سيدخل فيه هذا الشعب قبل ظهور الرب. وتحدَّث عن دينونة الأمم بسبب شرِّهم ومعاملتهم القاسية لشعب الله، ثم بركة الرب في النهاية لشعب إسرائيل والوعد بردهم وتتميم المواعيد.
أقسام السفر
ص١ –٣: دعوة حزقيال
ص٤ –٢٤: إعلان القضاء بيت إسرائيل
ص٢٥ –٣٢: دينونة على سبع أمم محيطة بإسرائيل.
ص٣٣ –٤٨: معاملات الرب مع إسرائيل لردِّهم وبركتهم.
كان شَرّ شعب إسرائيل في ذلك الوقت قد وصل لقمته، للدرجة التي استلزمت قضاء الرب عليهم بالسبي. حدث السبي أولاً للملكة الشمالية (إسرائيل) على يد أشور. وبعدها بما يقرب من ١٢٠ سنة حدث سبي الملكة الجنوبية (يهوذا) على يد بابل؛ وحدث على ثلاث مراحل، بين كل مرحله والأخرى تقريبًا ١٠ سنوات. وكان إتمام القضاء على مراحل إنما دعوة من الرب للتوبة، لكن بكل أسف لم يتوبوا فكمل القضاء!
يتميز سفر حزقيال بعبارة “هكذا قال السيد الرب” (ترد بالسفر ١٢٢ مرة من أصل ١٣٠ مرة في الكتاب). وعبارة “تعلمون أني أنا الرب” (٢١ مرة). والحديث عن “مجد الرب” (١٠ مرات). كما ترد به “قدس” ومشتقاتها أكثر من ١٠٠ مرة. وحوالي ربع السفر (١٢ إصحاح) يتحدث عن الهيكل سواء من جهة الرجاسات التي كانت تُمارس فيه قبل السبي (ص٨-١١) أو من جهة الهيكل المستقبلي الذي سُيبنى في فترة المُلك الألفي (ص٤٠-٤٧).
يحوي السفر آيات ورؤى وأمثال، و“الآية” هي أمر، غالبًا غير مُعتادٍ يحدث، فيه درس ما. أما “الرؤية” فهي مناظر ليست من الواقع يراها الشخص لتصوير أمر ما. و“المثل” هو كلام حكمة يقوله الشخص، وكثيرًا ما تكلم الرب بهذه الطرق لكتبة الوحي ليوصِّل أفكاره بطريقه مفهمومه لنا.
الجزء الأول من السفر (ص٤-٢٤) مليء بالحديث عن حيثيات القضاء على الأمة وعلى مدينة أورشليم وكانت عبادة الأوثان سببًا رئيسيًا لذلك (ص٦؛ ٨–١١)، وكذلك لجوء شعب إسرائيل للأمم الوثنية (ص١٦؛ ٢٣). الأمر الذي شبَّهه الرب بالزنا الروحي وعدم احترام المقدَّسات مثل السبت (ص٢٠) وهكذا فالرب يذكر سبب القضاء قبل توقيعه.
في الإصحاحات ٢٥–٣٢ نرى كيف أن الرب يتعامل مع جميع الشعوب والهدف من ذلك أن يعرفوه. ونرى في هذا الجزء دقة إتمام نبوات الكتاب وبصفة خاصة النبوة على صور (ص٢٦–٢٨) والنبوة على مصر (ص٢٩–٣٢) كما نرى حديثًا عن سقوط الشيطان الممثَّل في شخصية “ملك صور” (٢٨: ١١–١٩).
لا يخلو سفر حزقيال من أجزاء شهيرة لقارئي الكتاب المقدس مثل رؤيا وادي العظام اليابسة (ص٣٧)، والنهر الشافي العجيب (ص٤٧)، والولادة الجديدة (ص٣٦)، ومعاملات الرحمة والنعمة (ص١٦).
في الجزء الخاص بالبركة المستقبلية (ص٣٣-٤٨) نرى الراعي الجديد للشعب (ص٣٤)، والقلب الجديد (ص٣٦)، والشعب الجديد (ص٣٧)، والهيكل الجديد (ص٤٠٤٢).
في بداية السفر نرى مجد الرب قد غادر الهيكل بسبب شرهم (ص١١)، وفي نهايته نرى المجد يعود بعد توبتهم في ظل مُلك المسيح (ص٤٣).
هناك اقتباسان من سفر حزقيال في العهد الجديد، الأول «وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا» (٣٤: ٢٤؛ ٣٧: ٢٣، ٢٤) والتي اقتبست في ٢كورنثوس٦: ١٦؛ عبرانيين٨: ١٠ والثاني «نجستم اسمي بين الأمم» (٢٠: ٩، ١٤، ٢٢؛ ٣٦: ٢٢) واقتُبست في رومية٢: ٢٤، وهناك اقتباس بالمعنى (قارن ص٣٦؛ ٣٧ مع يوحنا٣: ١-١٠) ومشابهات عديدة وأصداء لهذا السفر في العهد الجديد.
يمكنك أن ترى الرب يسوع أيضًا كالجالس على العرش (ص١)، والذي له الحُكم (٢١: ٢٧)، والأسد الخارج من سبط يهوذا والملك المنتصر (٤١: ١٨، ١٩؛ قارن مع حزقيال١: ١٠؛ رؤيا٤: ٧)، والساكن وسط شعبه ومجدهم (٤٨: ٣٥) حيث سَتُسمى أورشليم في زمن ملك المسيح “يهوه شمة” أي “الرب هناك”.
أرجو أن تكون هذه المفاتيح قد شجعتك لاستكشاف كنوز في سفر حزقيال واستقبال رسالة شخصية من الرب؛ لأن كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع.