ما أكثر التحديات التي توضع في طريق إيماننا وتعلقنا بالرب، ولا سيما عندما يكون الواقع معاكس لمسيرة حياتنا وظروفنا. وهنا يأتي العدو بتحدٍّ لإيمان وثقة كل مؤمن بالمسيح، قائلًا له: هل ممكن لله أن يبرهن على صدق مواعيده الآن في ظروفك؟
هذا التحدي لم يُقدَّم لي ولك فقط، بل تجاسر الشيطان بوقاحة وقالها لابن الله، ربنا يسوع. عندما كان في البرية يُجرَّب من إبليس في تجارب كثيرة، وكان رد ربنا يسوع عليه في كل مرة بالمكتوب. وإحدى هذه التجارب عندما قال له إبليس “يلا نجرب ونشوف هل الله يمكن أن يبرهن على كلامه أم لا!”. لذا أخذ المسيح فوق جناح الهيكل وطلب منه قائلاً: «فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى أَسْفَلَ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوك» (لوقا٤: ٩، ١٠).
هل أتى العدو صديقي إلى أذنك وقالك: “فين كلام الله اللي قاله؟ أو أين هي وعوده؟”
أولاً: كيف أتى العدو لربنا يسوع
وكيف واجه هذا التحدي؟
العدو هجومه العنيف على ربنا يسوع إلا عندما “جاع أخيرًا”. وقدَّم التحديات والإغراءات، ولم ينجح في أي منهما. وأرجو أن ننتبه أن وقت الحرب الشديدة هو وقت جوعنا الروحي والنفسي «لأَنَّنَا لاَ نَجْهَلُ أَفْكَارَهُ» (٢كورنثوس٢: ١١). الشبع الحقيقي الدائم هو أمام الرب الذي يجعلني أقول بملء الفم «وَمَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئًا فِي الأَرْضِ» (مزمور٧٣: ٢٥).
٢
. دخل
إبليس في تحدٍّ للسيد طالبًا منه أن يلقي بنفسه من أعلى الهيكل، مستخدِمًا وعد الله أنه يوصي الملائكة بالحفظ، والهدف كان هو التشكيك في الله ومصداقية أقواله. وأرجو أن نلاحظ أنه أخذ اقتباسًا من كلمة الله لكنه حذف جزءًا منها. كيف؟ قال للرب يسوع «أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ» (لوقا٤: ٩)، ثم حذف بقية العبارة وهي «فِي كُلِّ طُرْقِكَ» (مزمور٩١: ١١).
٣
. والرب يسوع كالإنسان الكامل لا يقبل تحريف كلمة الله، ولا يقبل أيضًا أن يضع الله إلهه في محل الامتحان والاختبار، متممًا قول الكتاب أيضًا: «إِنَّهُ قِيلَ: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ» (لوقا٤: ١٢).
لقد كان سيدنا مثالاً رائعًا في الاستعداد لهذا التحدي بأمرين؛ الأول من خلال قوة الروح القدس فيُكتب عنه «أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ»، والثاني باستناده على المكتوب «فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: مَكْتُوبٌ» (لوقا٤: ١، ٤).
ثانيًا: كيف أواجه تحدي العدو في هذا الفكر؟
هل أحتاج أن أطلب من الله أن يثبت كلامه؟ هل أرى لأؤمن أم أؤمن لأرى؟
١. نلاحظ أن معظم الذين رأوا آيات ومعجزات المسيح لم يؤمنوا به «وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتٍ هَذَا عَدَدُهَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ» (يوحنا١٢: ٣٧).
٢. مبدأ الله هو أن تؤمن أولاً بالله ووعوده فترى أعماله، وهذا ما قاله لمرثا عند قبر أخيها لعازر «أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللَّهِ؟» (يوحنا١١: ٤٠).
٣
. لقد وثق واتكل المسيح على الله الأب، منذ طفولته بالجسد كإنسان، فقال بالنبوة مرة: «لأَنَّكَ أَنْتَ جَذَبْتَنِي مِنَ الْبَطْنِ. جَعَلْتَنِي مُطْمَئِنًّا عَلَى ثَدْيَيْ أُمِّي» (مزمور٢٢: ٩). فلم يكن في حاجة أن الله يثبت كلامه، فهو المؤمن الحقيقي، بل «رئيس الإيمان ومكمله» (عبرانيين١٢: ٢).
٤
. إننا نعيش مع الله بالإيمان «لأَنَّنَا بِالإِيمَانِ نَسْلُكُ لاَ بِالْعَيَانِ» (٢كورنثوس٥: ٧). والإيمان هو تصديق الله، حتى لو تأنى في الاستجابة. فالإيمان يعطيني أن أثق في محبة الله لي، أذ هو أحبني وبذل ابنه الوحيد لأجلي. ويجعلني أثق أيضًا في قدرته «الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى وَيَدْعُو الأَشْيَاءَ غَيْرَ الْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ» (رومية٤: ١٧). لكن الإيمان يعطيني أن أثق في حكمة الله وتوقيتاته أنه «فِي وَقْتِهِ أُسْرِعُ بِهِ» (إشعياء٦٠: ٢٢).
٥
. هذا ما يجعلني هادئًا لا يستفزني العدو بهذا الفكر “خلي ربنا يثبت كلامه”! إني أحب إلهي وأثق فيه أنه سيعمل، فهو بحكمة يعمل وذا هو الأفضل.
إننا نحتاج إلى مزيد من الإيمان والثقة في الله أبينا، في محبته وحكمته، بل وتوقيتاته؛ حتى نغلب العدو في هذا التحدي مستندين على قوة الروح القدس وصدق أقوال إلهنا.