السلبية الظاهرة والسلبية الحقيقية:
1 - ليس كل من لا يشارك في الأنشطة الظاهرة يعتبر سلبياً، فهناك بعض الأشخاص ربما يكون ظاهرهم سلبياً لكن لهم نشاطاً إيجابياً خفياً. فمثلاً أصحاب الشخصيات الإنطوائية أغلبهم لا يستطيع المشاركة في الأنشطة العلنية، لكن طالما كان لهم قلب إيجابي في أمور الله، فلابد أن يصاحب هذا إيجابية خفيه لآداء عمل غير ظاهر ولو بسيط.
2 - هناك أناس آخرون عندهم معوقات إنسانية طبيعية تحول دون ظهور إيجابيتهم، وبعلاجها سوف تتضح إيجابيتهم في أمور الله فمثلاً:
* الخوف الإنساني والشعور بالنقص قد يتسبب عنها سلبيه ظاهرة، لكن طالما أن الشخص له قلب في صف الله، فالله شيشجع هذا الشخص الخائف، ويرفعه فوق مخاوفه فتظهر إيجابيته. فجدعون كان خائفاً ومختبئاً (مظهر سلبي)، لكنه كان يهرِّب حنطه في الخفاء لإخوته (إيجابية خفية) . والرب بنعمته أمسك به وشجع نفسه حتى صنع به عملاً عظيماً. (إقرأ قضاة 6، 7)
* كذلك صغر النفس والشعور بأن الشخص لا شيء جعل موسي يرفض مواجهة فرعون في البداية (سلبية ظاهرة). لكن الرب ترفق بضعف موسي وصِغَر نفسه وصنع منه أعظم شخص في مواقفه الإيجابية بعد ذلك.
3 - كذلك هناك بعض المواقف التي تبدو في ظاهرها سلبية، لكنها بحسب تقدير الله لها تعتبر قمة الإيجابية. فمثلاً عندما إتخذ الرب موقف الصمت التام أثناء محاكمته (سلبية ظاهرة) «وأما هو (يسوع) فكان صامتاً ولم يجب بشيء» (مرقس 14: 16)، لكنه كان في تمام التوافق والخضوع لمشيئة الله. أو عندما أجل الرب ذهابه إلى بيت عنيا لشفاء لعازر حسبت كل من مريم ومرثا أن هذا موقف سلبي وقالا له «يا سيد لوكنت ها هنا لم يمت أخي» (يوحنا 11: 21، 32)، بينما كان هو ينتظر الوقت المحدد من فوق للتحرك ليكون هذا المرض «لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله به» (يوحنا 11: 4).
ملاحظات في علاج السلبية:
* إن أكثر ما ينجح فيه الشيطان هو أن يقوم بتحييد بعض المؤمنين ويجعل موقفهم من أمور الله يتسم بالسلبية، وبالتإلى فإستمرار السلبية يحقق قصد الشيطان، بينما التخلص منها يجعل المؤمن قريباً من فكر الله
* هناك حالات من السلبية تحتاج إلى علاج فوري حاسم، وقرار داخلي ينشأ من عمل إلهى للتخلص من جو السلبية والإنتقال إلى جو آخر مثلما حدث مع يعقوب بعد ظروف مأساوية مُحطمة إذ قال له الله «قم إصعد إلى بيت إيل (الأن)» (تكوين 35: 1)، وما ترتب علي ذلك من نهضة في حياة يعقوب وبيته «إعزلوا الآلهة الغريبة .. وتطهروا وابدلوا ثيابكم» تكوين 35: 52
* هناك حالات أخرى من السلبية تأخذ وقتاً في علاجها، ولاسيما إذا كانت السلبية جزءاً من منهج الحياة. فغالباً ما يبدأ الشاب أوالشابه حياته في التعبير عن نفسه أمام الأخرىن بالتطرف في أحد الإتجاهىن إما بالإقتحام والتسرع، أو بالسلبية والتردد، وعملية التوازن بين هذين الإتجاهىن تأخذ وقتاً طويلاً، لذلك فالكتاب يحذرنا «لا تكونوا كفرس (مقتحم متسرع) أو بغل (سلبي ومتردد) بلا فهم» (مزمور 32: 9) والعلاج في هذه الحالة يأتي بنمو الشخص في النعمة فيتجه تدريجياً نحو التوازن.
* عندما يكون السبب الخارجي للسلبية هو في الجو المحيط بالمؤمن، سواء في الأفراد أو في الجماعة (العائلة أو الكنيسة) فالعلاج في هذه الحالة يكون في اتباع الرب والنظر إلىه، فلا يبني المؤمن موقفه من أمور الله حسب موقف الآخر منه. فالتبعية المباشرة للرب تجعل المؤمن إيجابياً في أمور الله، مهما كانت العوائق الخارجية الظاهرة في الأخرىن.
* إن تفكير الشاب كثيراً في نفسه وفي إمكانياته، غالباً ما يجعله يشعر بضعف إمكانياته وبالتإلى يلجأ إلى السلبية. أما عندما يتعلم المؤمن كيف يستند علي الرب في كل شيء وفي كل خطوة ويثق أن «كفايتنا من الله» (2كورنثوس 3: 5)، هذا سيقوده إلى مزيد من الإيجابية مهما يكن ضعف إمكانياته.
* تمسك المؤمن بشدة بشركته الشخصية مع الله كأغلي شيء في الحياة يترتب عليه نتائج مباركه في علاج السلبية كالآتي:
- غلاوة أمور الله علي قلب المؤمن، مما يجعل قلبه ملتهباً في داخله، ويعطيه دوافع داخلية يستحيل معها أن يكون سلبي في أمور الله.
- إرتفاع المنسوب الروحي وشبعه بالرب يجعلان المؤمن منفصل عن العالم ومبادئه، وتخلصه من الأمور التي تغلق الشهىة عن أمور الله، وحالة الشبع تجعل المؤمن ينفض عن نفسه غبار التكاسل والتراخي، ويرفض الميل إلى الراحة والاسترخاء.
- الإندماج مع الله في أفكاره ورغائبه، وبالتإلى يكون الطموح الزمني داخل نطاق مشيئة الله فقط «وأنت فهل تطلب لنفسك أمور عظيمة . لا تطلب.» (إرميا 45: 5)، بل تكون كل طموحاته هى «ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص» (يوحنا 3:30). وتوجيه الطموح للأمور الروحية يخلص الشاب والشابة من السلبية الروحية.
* إذا كان سبب السلبية في الروحيات هو العطش النفسي للإحتىاجات الإنسانية الطبيعية، فعلينا أن ندرك أن هذه الإحتىاجات سوف تُشبع وتوفي تماماً في الشركة مع الله . ويتلاشي كل شعور بالنقص والعوز. وإدراك المؤمن لكفاية الرب في سداد إحتىاجاته النفسية الرنسانية الطبيعية يقوده إلى الإيجابية الروحية.
- حدود الإيجابية التي يسر الرب بأن يراها في الشاب المؤمن أو الشابه المؤمنة هى تلك التي أوصل هو موسي إلىها عندما وقف بفرده أمام جميع الشعب، بما في ذلك هارون أخاه، مدافعاً عن حقوق الله وقداسته مهما كانت التضحية «ضعوا كل واحد سيفه علي فخذه ... واقتلوا كل واحد صاحبه وكل واحد قريبه» (خروج 32: 27). وفي نفس الوقت وقف أمام الرب متضرعاً من أجل شعبه، مع أن حالتهم كانت رديئة جداً وتستحق القضاء، وتضرع لأجلهم لدي الرب قائلاً «والآن إن غفرت خطيتهم. وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت» (خروج 32: 32).