تايتان تبحث تايتنك

ذهب خمسة من أغنى رجال العالم في رحلة مائية خطيرة، في قلب المحيط الأطلنطي، الذي يُغطي حوالي خُمس سطح الأرض، في غواصة صغيرة اسمها تايتان، وكان الغرض هو الوصول للسفينة الغارقة تيتانيك، والتي غرقت سنة ١٩١٢م، وهي سفينة ركاب بريطانية عملاقة، عابرة للمحيط، وتم بناؤها في بلفاست عاصمة أيرلندا الشمالية، وكانت في ذلك الوقت تعتبر أكبر باخرة ركاب في العالم، وصممت على أيدي أمهر المهندسين، وأكثرهم خبرة، وزنها أكثر من ٥٣ طنًا، وكان أول إبحارها في ١٠ أبريل سنة ١٩١٢م، من لندن متجة إلى نيويورك، عبر المحيط الأطلسي، وعلى متنها ٢٢٢٣ راكب، من أغنياء أوروبا وأمريكا، وبعد أربعة أيام فقط من إبحارها، وهي بأقصى سرعة لها، اصطدمت بجبل جليدي، مما أدى إلى غرقها، ونجا من ركابها ٧٠٦ شخص، بقوارب النجاة، معظمهم من الأطفال والنساء، وغرقت ١٥١٧ نفس، وكان غرقها صدمة كبرى للجميع، حيث أنها كانت مزودة بأعلى معايير السلامة.

والاسم تيتانيك Titanic معناها المارد، وسميت بذلك لأن السفينة اتصفت بالضخامة والفخامة، وقالوا إنها غير قابلة للغرق، ولكنها غرقت، وذلك لأنهم تحدوا الله الخالق.

أما الغواصة تايتان Titan فهى تابعة لشركة Ocean Gate، وهي شركة متخصصة في الرحلات السياحية المائية، فتأخذ الناس في رحلات غوص في أعماق مرعبة تصل إلى عدة كيلومترات في المياه، ليروا أعماق المحيط وبقايا السفن الغارقة.

كان سعر تذكرة الرحلة في الغواصة تايتان ربع مليون دولار، وركبها خمسة من أغنى أثرياء العالم، وهم: رجل الأعمال البريطاني والباكستاني الأصل شهرزاد داود ومعه ابنه سليمان داود، ومستكشف بريطاني وملياردير مشهور اسمه هاميش هاردنج، وغواص سابق من البحرية الفرنسية اسمه بول هنري، والرئيس التنفيذي لشركة أوشن جيت وهي نفسها المسؤولة عن الغواصة والرحلة وهو ستوكتون راش.

كان قلبهم مملوء بالأمل، بأنهم سيصلوا للسفينة الغارقة تيتانيك، ويلتقطوا عدة صور لها، ويعتبر حدث عالمي، وينالون بعده شهرة واسعة، ومكسبًا ماديًا عظيمًا من هذه المغامرة.

لقد صمموا الغواصة لكي تصل لعمق ٦٠٠٠ متر تحت سطح المياه، بينما سفينة تيتانيك على عمق ٤٠٠٠ متر، وتم تصنيع الغواصة من ألياف الكربون شديد التحمل ومعه التيتانيوم، والذي أشرف على التصميم وكالة الفضاء ناسا، واستخدموا نفس التكنولوجيا المستخدمة في مركبات الفضاء، وهي قادرة على تحمل ظروف بيئية عالية جدًا.

لأن أعماق المحيط يعتبر من أخطر الأماكن الموجودة في العالم، بسبب الظروف البيئية الخطيرة جدًا، حيث الظلام دامس، لعدم وصول أشعة الشمس، والضغط عالي جدًا، حتى أنه يسحق العظام حرفيًا، والبرودة شديدة تصل إلى درجة التجمد.

بدأت رحلة الغواصة تايتان يوم الأحد ١٨ يونيو ٢٠٢٣م، وتحركت بسرعتها إلى أعماق المحيط، وبعد ساعة ونصف انقطع الإتصال بينها وبين السفينة الأم التي أنزلتها إلى مياه المحيط، وبالتالى صارت بلا مرشد أو معين في وسط أعماق المحيط، ووجدوا أنفسهم في وسط ظلمة حالكة، وضغط هائل، ومياه غامرة، ولا يعرفون كيف يتحركون، هل هم يسيرون إلى أسفل أم إلى أعلى؟ هل يمينًا أم يسارًا؟، لقد تاهوا في مياه المحيط العميقة، وبعد فترة نفد الأكسجين (كان من المفروض أن الأكسجين يكفيهم لمدة ٧٠ ساعة).

الغواصة ليس بها شبابيك على الجوانب، ولكن شباك واحد من الأمام في المقدمة، وهي مغلقة بإحكام شديد من الخارج بمسامير قوية، ولا يمكن فتحها من الداخل، وبعد عدة أيام من التيهان في المحيط صارت قبرهم الصامت.

ما أصعب التيهان سواء في الصحراء أو أعماق المحيط، فالنتيجة النهائية هى الموت، وقال الكتاب المقدس عنا: «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ» (إشعياء٥٣: ٦)، ونتيجة الضلال والبعد عن الله هو الهلاك الأبدي، والوجع في الزمان «تَكْثُرُ أَوْجَاعُهُمُ الَّذِينَ أَسْرَعُوا وَرَاءَ آخَرَ» (مزمور١٦: ٤)، والضلال مرتبط بالضيق «قَبْلَ أَنْ أُذَلَّلَ أَنَا ضَلَلْتُ» (مزمور١١٩: ٦٧).

تخيل معي خمسة من ملياردرات العالم يموتوا معًا بسبب نقص الأكسجين والمياه والغذاء، في أعماق المحيط، وتحطم الغواصة بسبب الضغط العالي في أعماق ساحقة!

شيء مؤسف ومؤلم حقًأ، أن يموتوا هكذا، لقد فقدوا كل شيء في لحظات، تركوا ثرواتهم التي تعبوا في جمعها، قال أيوب: «عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَعُرْيَانًا أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ» (أيوب١: ٢١)، وقال داود النبي: «إِنَّمَا كَخَيَال يَتَمَشَّى الإِنْسَانُ.. يَذْخَرُ ذَخَائِرَ وَلاَ يَدْرِي مَنْ يَضُمُّهَا» (مزمور٣٩: ٦)، وقال الرسول بولس: «لأَنَّنَا لَمْ نَدْخُلِ الْعَالَمَ بِشَيْءٍ، وَوَاضِحٌ أَنَّنَا لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَخْرُجَ مِنْهُ بِشَيْءٍ» (١تيموثاوس٦: ٧).

قد يأتي الموت فجاة وبدون مقدمات، ولهذا يجب أن يتحذر الإنسان ويستعد للأبدية التي لا تنتهي، قال الكتاب «لأَنَّ الإِنْسَانَ أَيْضًا لاَ يَعْرِفُ وَقْتَهُ. كَالأَسْمَاكِ الَّتِي تُؤْخَذُ بِشَبَكَةٍ مُهْلِكَةٍ، وَكَالْعَصَافِيرِ الَّتِي تُؤْخَذُ بِالشَّرَكِ، كَذلِكَ تُقْتَنَصُ بَنُو الْبَشَرِ فِي وَقْتِ شَرّ، إِذْ يَقَعُ عَلَيْهِمْ بَغْتَةً» (جامعة٩: ١٢)، وقال الرب يسوع:» لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟» (متى١٦: ٢٦).

أناشدك أن تأتي إلى الرب يسوع المسيح المخلص الوحيد، الذي يحبك ومات من أجلك على الصليب، تعال إليه الآن بتوبة صادقة واعتراف حقيقي وإيمان قلبي، فتغُفر خطاياك بدمه الثمين وتأخذ الحياة الأبدية.

تعال إليه مسرعًا، تعال قبل أن يُغلق الباب، تعال قبل أن تنتهي حياتك.