دموع فانية ودموع باقية

التقت دمعتان على صفحة مياه صافية، فقالت الأولى: أنا دمعة ذرفتها فتاة تركها خطيبها، وقالت الثانية: وأنا الفتاة التي تزوجته!

نحن نعلم أن الوادي الذي نعبره هو وادي البكاء (مزمور٦:٨٤). بل وفي يوم قادم سيبكي الأبطال الأقوياء بل: و«... يَصْرُخُ حِينَئِذٍ الْجَبَّارُ مُرّاً». (صفنيا١: ١٤).

ومن منا هنا لم يبكِ؟ ومن منا لم يذرف الدموع؟

لكن هناك نوعان من الدموع: دموع تتبخر وتضمحل وتذهب بلا قيمة، ودموع غالية باقية ومحفوظة.

وحتى لا ننخدع بالباطل دعونا نتعرف في هذا العدد على البكاء الباطل المزيف والفاني. وفي العدد القادم - إن شاء الرب وعشنا - نتحدث عن البكاء الحقيقي الصادق والباقي.

أولا: دموع فانية

نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

دموع عيسو

لقد احتقر عيسو البكورية، البركة التي رتبها الله للبكر، باعها عيسو ولم يقدِّرها، وجاء يوم ليطلبها، لكنه تأخر جدًا. لقد بكى كما لو كان قد تاب، لكن لم تكن توبته صادقة؛ لأنه بعد البكاء حقد على يعقوب أخيه، وأراد قتله، وارتبط ببنت من بنات كنعان الشريرات والتي سبق وحذر إسحاق أبيه منهم فلنتحذر. يقول كاتب العبرانيين: «لِئَلاَّ يَكُونَ أَحَدٌ زَانِيًا أَوْ مُسْتَبِيحًا كَعِيسُو، الَّذِي لأَجْلِ أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَ بَكُورِيَّتَهُ فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَيْضًا بَعْدَ ذلِكَ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرِثَ الْبَرَكَةَ رُفِضَ، إِذْ لَمْ يَجِدْ لِلتَّوْبَةِ مَكَانًا، مَعَ أَنَّهُ طَلَبَهَا (البركة) بِدُمُوعٍ» (عبرانيين١٦:١٢-١٧).

إنها دموع المستهترين المستبيحين.

دموع شاول

ظل شاول مُطارِدًا لداود يبغي قتله والتخلص منه، وفي برية عين جدي (صموئيل الأول٢٤) أتيحت لداود فرصة قتل عدوه شاول، لكنه لم يفعل، فقط قطع طرف جبة شاول وهو نائم، ونادى داود وأخبر شاول وكان «لمَّا فَرَغَ دَاوُدُ مِنَ التَّكَلُّمِ بِهذَا الْكَلاَمِ إِلَى شَاوُلَ، قَالَ شَاوُلُ: أَهذَا صَوْتُكَ يَا ابْنِي دَاوُدُ؟ وَرَفَعَ شَاوُلُ صَوْتَهُ وَبَكَى...» ولكن لم يكن صادقًا في بكائه لأنه عاد مجدَّدًا ومعه ٣٠٠٠ من رجاله وأراد قتل داود في برية زيف (١صموئيل٣:٢٦).

لم تكن دموعه سوى دموع الأشرار المخادعين.

دموع الشعب

لقد تذمر الشعب وكرهوا المن وهو "الطعام المرتب من قبل الرب" وطلبوا لحمًا، وما أشبه الليلة بالبارحة! فلا صوت اليوم يعلو على صوت: "اللحمة بكام؟ والفراخ بكام؟!" «فقيل لهم: تَقَدَّسُوا لِلْغَدِ فَتَأْكُلُوا لَحْمًا، لأَنَّكُمْ قَدْ بَكَيْتُمْ فِي أُذُنَيِ الرَّبِّ قَائِلِينَ: مَنْ يُطْعِمُنَا لَحْمًا؟ إِنَّهُ كَانَ لَنَا خَيْرٌ فِي مِصْرَ. فَيُعْطِيكُمُ الرَّبُّ لَحْمًا فَتَأْكُلُونَ» (عدد١١: ١٨)، ولكن هل كف الشعب عن البكاء لقد بكوا أيضًا بكاء عدم الإيمان (عدد١:١٤).

ليس بكاء المؤمنين الشاكرين، بل بكاء المتذمرين غير الراضين.

صديقي وصديقتي

ما أكثر المحزونيين المتألمين، قد تجدهم يضحكون، ولكن الحزن والشقاء في قلوبهم يخفون. إننا نعيش في عالم حزين، والمُحزن أكثر أنها أحزان باطلة وقتية لا قيمة لها.

فقل لي ما هو نوع ألمك؟ وما هو صنف بكائك؟

أخاف أن يكون بكائك كبكاء عُرفة وقتيًا، إذ التصقت بنعمي ظاهريًا، وأعلنت ولاءها ورغبتها بمرافقتها إلى بيت لحم شكليًا، فرفعت صوتها فعلًا وبكت، ولكنها عادت من حيث أتت، إلى بلاد موآب الوثنية. لقد ذهبت عرفة وأعطت الرب القفا لا الوجه كمعنى اسمها، وغابت شمسها، واختفت. (راعوث١٤:١).

ولحديثنا بقية العدد القادم بمشيئة الرب