من الاثنين إلى السبت

يحظى يوم الأحد باهتمام كثير عند الكثيرين؛ فالملايين حول العالم يتوقف نشاطهم المعتاد، ليزوروا مبنى كنيسة، ليجتمعوا مع سواهم للتعبُّد والترنُّم والتعلُّم عن الله.

ثم يأتي يوم الاثنين سريعًا، فماذا يكون لله عندئذٍ في حياتهم؟ حين يكون التركيز على أمور أخرى كثيرة، يُمكن بكل سهولة أن يطووا الأسبوع كله دون أي اعتبار لله، حتى إن اسم الله لا يُنطق به بمهابة واحترام بين كثير من المؤمنين الذين يرتادون الكنائس يوم الأحد. وغالبُا لا تُوضع مشيئته في الاعتبار! وقلما تحظى توجيهاته للحياة العملية بأدنى اهتمام!

من أين حصلنا على الاعتقاد أن الله يُريد اهتمامنا يوم الأحد فقط؟ ليس من عند الرسول بولس حتمًا، فهو القائل لنا: «صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ» (١تسالونيكي٥: ١٧)، وهذا ما يؤكد لنا أن الله يُصغي إلينا من الاثنين حتى السبت أيضًا. كذلك أيضًا كتب الرسول بولس قائلاً: «افْرَحُوا كُلَّ حِينٍ» (١تسالونيكي٥: ١٦)، مما يُبيِّن أن علينا ألا نتوقف عن الترنيم بعد أن نُغادر مبنى الكنيسة «أَمَسْرُورٌ أَحَدٌ؟ فَلْيُرَتِّلْ» (يعقوب٥: ١٣). وماذا نقول في الوصية القائلة: «اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ» (١تسالونيكي٥: ١٨)؟ أَليس في هذا دليلٌ على أن باقي الأسبوع حافلٌ أيضًا بالمناسبات التي تدعونا إلى القول: “شكرًا لك يا ربًّ”.

صحيح أن يوم الأحد هو يوم مُميَّز، نهتمّ فيه بالله وبعبادته خصوصًا، ولكن الأمر لا يتوقف عند حَدِّ يوم الأحد، فلا تنسَ أن تسير مع الرب يوم الاثنين، وباقي أيام الأسبوع.

دُعيَّ شاب لمقابلة بشأن وظيفة في شركة كان قد قدَّم طلبًا ليتوظّف فيها. وكانت هذه الشركة يمتلكها مؤمنًا تقيًّا. وكان الشاب وسيمًا ونظيفًا وأنيقًا وواثق الخطوة، وأثر على صاحب الشركة تأثيرًا عظيمًا.

ذكر الشاب اسم راعي كنيسته ضمن الطلب الذي قدَّمه، وأسماء بعض شيوخ الكنيسة التي يرتادها يوم الأحد، وأسماء بعض خدَّام الرب الذين يعرفونه، وذلك كمراجع تستطيع الشركة من خلالها أن تتأكد من قدرته وكفاءته وسلوكياته.

تأمل مدير الشركة في الطلب، وفي تلك الأسماء المذكورة، وصمت لعدة دقائق، ثم قال: “إني أهنئك على هذه المراجع من كنيستك، ولكن الذي أُريده منك هو توصية من أناس يعرفونك خلال أيام الأسبوع، وليس يوم الأحد فقط”.

إننا نأسف أنه في أغلب الأحيان يختلف تصرف المسيحيين وهم في العالم، عما هو وقت حضورهم اجتماع الكنيسة! ينبغي أن ننفذ المبادئ التي نسمعها في الكنيسة يوم الأحد، ونعيش حسبها طوال أيام الأسبوع أيضًا «فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متى٥: ١٦).

كان دانيآل مثالاً لذلك في علاقته مع الله، كما في علاقته مع الناس أيضًا. لم يكن رجلاً ذا وجهين، إذ كان تصرفه اليومي في انسجام تام مع قناعاته وقيَّمه الروحية. لقد حاول أعداؤه مرارًا عديدة أن يجدوا فيه علَّة أو ذنبًا ما، فلم يجدوا (دانيآل٦: ٤)! فهو قد سلك أمام الناس تمامًا، كما سلك أمام الله!

إن “دِرعَ البِرِّ“ هو قطعة من سلاح الله الكامل الذي وُصف لنا في أفسس ٦: ١٠-١٨. وما يعنيه “دِرعَ البِرِّ” هو السيرة المقدسة والضمير الحساس، الذي بلا عثرة من نحو الله والناس. وهذا يعني أن يكون المؤمن غير مذنب في خطية لم يعترف بها، كما تعني أيضًا أنه لا يتسبب في عثرة الآخرين. هذا الضمير يجب أن يُميِّز المؤمن سواء كان تاجرًا في تجارته، أو موظفًا في وظيفته، أو طالبًا في امتحاناته، فلا يجد العدو ثغرة في سلوكنا العملي ينفذ فيها ليشتكي علينا؛ لذا يجب على كل المؤمنين الحقيقيين الذين تبرروا مجانًا بالفداء الذي بيسوع المسيح أن يحيوا حياة البر العملي «قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ للهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرٍّ للهِ» (رومية٦: ١٣؛ ٣: ٢٤).

إن دانيآل - فوق ثيابه الرسمية في بابل - كان لابسًا «دِرعَ البِرِّ»؛ «ثُمَّ إِنَّ الْوُزَرَاءَ وَالْمَرَازِبَةَ كَانُوا يَطْلُبُونَ عِلَّةً يَجِدُونَهَا عَلَى دَانِيآلَ مِنْ جِهَةِ الْمَمْلَكَةِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَجِدُوا عِلَّةً وَلاَ ذَنْبًا، لأَنَّهُ كَانَ أَمِينًا وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ خَطَأٌ وَلاَ ذَنْبٌ» (دانيآل٦: ٤)، وهكذا خابت معه مكايد الشيطان وارتدَّت عنه سهام الوزراء والمرازبة.

واسمعه يقول مقولته الرائعة، من داخل جب الأسود الذي دخله بضمير غير منزعج: «يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، عِشْ إِلَى الأَبَدِ! إِلَهِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَسَدَّ أَفْوَاهَ الأُسُودِ فَلَمْ تَضُرَّنِي، لأَنِّي وُجِدْتُ بَرِيئًا قُدَّامَهُ، وَقُدَّامَكَ أَيْضًا أَيُّهَا الْمَلِكُ، لَمْ أَفْعَلْ ذَنْبًا» (دانيآل٦: ٢١ ،٢٢).

هل نستطيع أن نثبت ضد مكايد إبليس، وصوت الضمير يشتكي علينا ويلومنا، بسبب أمور لا يرضى عنها الرب، ونسكت عليها دون أن نحكم على أنفسنا؟

أحبائي: يجب أن تكون علاقتنا بالله أكبر من مجرد حدث يوم الأحد. فهل يتساءل أصدقاؤنا عن حقيقة حياتنا المسيحية متى لاحظوا تصرفاتنا أو سمعوا كلامنا، في مكان عملنا أو في بيوتنا؟ إن المسيحي الحقيقي لا يكون مسيحيًا يوم الأحد فحسب، بل في كل أيام الأسبوع أيضًا.

يَا إِلَهِي هَبْنِي قَلْبًا
يَقْصِدُ مَسَرَّتَكْ
فَأَعِيشَ وِفْقَ قَوْلِكْ
عَامِلاً مَشِيئَتِكْ
فَيَرَى النَّاسُ دَوَامًا
فِي سُلُوكِي صُورَتَكْ
فَيَعُودَ الْمَجْدُ لاسْمِكْ
وَلِفَضْلِ نِعْمَتِكْ