ما أن التقط أنفاسه بعد جلوسه إلا وبادرني بالسؤال:
“تتقاس إزاي؟”
سألته: “ما هي؟”
أجاب: تشجعت من فترة أن أدرس كلمة الله. والآن أريد أن أعرف هل أنا في الطريق السليم أم لا؟ فمع أني استمتعت كثيرًا إلا إني أريد أيضًا أن أجد مقاييس أقيس عليها ما وصلت إليه.
حسنًا تفعل، فالأمور القيمة، المحورية في الحياة، والتي نستثمر فيها وقتًا وجهدًا تحتاج إلى تقييم من وقت إلى آخر لنطمئن لسيرنا أو نعدل مسيرنا.
تمام. وأتمنى أن تعطيني مقاييس واضحة عملية. كلي آذان صاغية وسأجتهد ألا أقاطعك قدر ما استطعت.
نتائج درس الكتاب المقدس كثيرة بالطبع، فهو كلمة الله غير المحدودة لذا تأثيرها لا يمكن حصره. لكني سأضع بعضها نصب عينيك، لعلها تكون مقاييس يسهِّل لك مهمتك. أول هذه المقاييس هو:
المعرفة الأوضح والأقرب للرب
مع اقترابك من كلمته، وفيها يعلن الله عن نفسه، من الطبيعي أن تعرفه أكثر قربًا، وبشكل أوضح مما كنت عليه من قبل، بل سيزداد هذا القرب باستمرار. ستدرك بشكل أوضح، وعملي، صفاته: قداسته – نعمته – عدله – حكمته – رحمته - صلاحه ... ليس كمجرد معرفة في العقل، بل أثر عميق في الحياة. دعني أعطيك مثالاً. أعتقد أن أي مؤمن قرأ الكتاب أو حضر اجتماعات يعرف عن قداسة الله ويمكنه أن يتكلم عنها. لكن الدراسة الصحيحة لكلمة الله تجعل المؤمن يدركها بالطريقة والقدر الذي يجعله يعيش في ضوئها. فدراستي لقصة يوسف صاحب القول الشهير «فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟» (تكوين٣٩: ٩)، بالمقابلة مع قصة شمشون، كفيلة بأن تزرع داخلي توجُّهًا عمليًا لتقدير قداسة الإله الذي يراني ويقيِّم أفعالي؛ فأراعيها في كل تصرفاتي. وهكذا الأمر مع باقي صفاته.
بالطبع توقعت أن المعرفة عنصر أساسي، لكن الجديد بالنسبة لي هو التأثير. هل هناك شيء آخر تلفت إليه نظري بخصوص المعرفة؟
أقف كثيرًا أمام قول المزمور «عَرَّفَ مُوسَى طُرُقَهُ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ أَفْعَالَهُ» (مزمور١٠٣: ٧)، وأتعلم منها أن هناك فرق بين أفعال الرب وطرقه. ودعني أوضح ما أريد.
أفعاله: هي الأحداث الخاصة التي ندرك أنه من خلفها، وما كانت تحدث بغير تدخّله. فمثلاً، الشعب، في أيام إيليا، في واقعة تحديه لأنبياء البعل (١ملوك١٨)، لما رأى الشعب، بعد فشل أنبياء البعل في تقديم الذبيحة، أن الله قد استجاب لصلاة إيليا بنار أكلت الذبيحة بالماء المصبوب عليها، أدركوا أن هذا فعل الله فهتفوا «الرَّبُّ هُوَ اللهُ! الرَّبُّ هُوَ اللهُ!». وهذه يمكننا أن ندركها من دراستنا لأحداث الكتاب جيدًا كما من اختباراتنا العملية.
أما طُرُقه: فهي المبادئ التي تُنشئ الأفعال. أو قُل هي “كيف يفكر الله”. موسى الذي قيل عنه إنه عرف طرق الرب، يوضح لنا ذلك من خلال أحداث خروج ٣٣. فطِلبته كانت واضحة: «عَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى أَعْرِفَكَ». كما ظهرت معرفته بطرق الرب من تفاعله مع الأحداث. فمع أن الرب كان قد قال للشعب: «إِنِّي لاَ أَصْعَدُ فِي وَسَطِكَ لأَنَّكَ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةِ... اخْلَعْ زِينَتَكَ عَنْكَ فَأَعْلَمَ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَ»، مما بث الرعب في قلوب الشعب؛ إلا أن موسى قال له: «انْظُرْ. أَنْتَ قَائِلٌ لِي: أَصْعِدْ هذَا الشَّعْبَ، وَأَنْتَ لَمْ تُعَرِّفْنِي مَنْ تُرْسِلُ مَعِي... وَانْظُرْ أَنَّ هذِهِ الأُمَّةَ شَعْبُكَ»؛ وبالجزء الأخير أظهر معرفته بقلب الرب الذي لا يتخلى عن شعبه؛ فأجاب الرب إجابة أظهرت أن موسى يفهم طرق الرب إذ تجاوب معه قائلاً «وَجْهِي يَسِيرُ فَأُرِيحُكَ». وهذا ما تمسك به موسى على الفور؛ إذ كان مقصده من البداية. ونحن أيضًا لنا أن نطلب أن يفتح الرب أذهاننا وقلوبنا لنعرف طرقه ونفهم فكره من خلال الشركة والمكتوب.
الموضوع يفوق توقعاتي.
وينبغي أن هذه المعرفة لا تملأ عقلي فحسب، بل أن تقودني للشركة معه. هذا ما ظهر في طلبة موسى «أَرِنِي مَجْدَكَ». لقد أصبح قُربُه لذَّتي والاستزادة من معرفته مقصدي.
هذه الشركة لا بد وأن تظهر بطريقة عملية:
فتزداد غلاوته عندي فكلما عرفته عن قرب سأكتشف جماله وكماله وتفرده، وسأدرك حبه ولطفه وحلو صفاته؛ فأجد القلب منجذبًا إليه، ويزداد تعلقي به؛ فأسترخص أمور الدنيا.
يكون أقرب مَن لي وأتعلم أن أحادثه طول اليوم، حتى وأنا في دراستي أو عملي أو المواصلات. يكون هو أول من استنجد به عند التجربة، والصدر الحنون وقت الضيق، والصديق الأقرب كل الوقت. أول من أحادثه في صباحي وآخرهم قبل نومي.
يهمني رضاه فهو المحب الذي أحبني بلا حدود، الغالي على قلبي؛ فكيف لا يهمني رضاه؟ إن سروري هو أن أشعر برضاه عن فكري وقولي وعملي.
إذًا، أن أعرفه أكثر بالمفهوم الذي ذكرته، هو واحد من المقاييس الهامة لأني أقترب من المكتوب بطريقة صحيحة. وما المقاييس الأخرى؟
التغيير في الحياة
ما حدث مع الملك الشاب يوشيا يوضح سلطان الكلمة وتأثيرها في التغيير من الداخل ومن الخارج. لقد اتضع أمامها إذ كشفت له الشر الذي يعيش فيه الشعب من زمن. وأظهر تقوى حقيقية في ما فعل بعد ذلك (اقرأ القصة في ٢أخبار ٣٤: ١٤-٣٣). ولا بد أن معرفة الحق تنشئ تقوى. هذا كان قصد الرب حين أوصى بشأن الملوك كيوشيا: «وَعِنْدَمَا يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَمْلَكَتِهِ، يَكْتُبُ لِنَفْسِهِ نُسْخَةً مِنْ هذِهِ الشَّرِيعَةِ فِي كِتَابٍ مِنْ عِنْدِ الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ، فَتَكُونُ مَعَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، لِكَيْ يَتَعَلَّمَ أَنْ يَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَهُ» (تثنية ١٧: ١٨-١٩). وما أجمل أن ينشأ مثل هذا التوجه في حياة شاب؛ فتنشئ التقوى الحقيقية في القلب: كراهيةً للخطية، وحكمًا على الذات، وتوبة، وقداسة.
والحذر واجب، في المقابل، من الأصحاح التالي من التثنية إذ يقول «مَتَى دَخَلْتَ الأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، لاَ تَتَعَلَّمْ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ رِجْسِ أُولئِكَ الأُمَمِ...» (تثنية١٨: ٩)، فما لم أتعلم التقوى من كلمة الله، فسأتعلم من الثقافة السائدة حولي كل ما لا يرضي الرب.
وما الذي يلي ذلك من تغيير؟
الامتلاء بالروح
بقراءة أفسس٥: ١٨-٢٠ مع كولوسي٣: ١٦-١٧ بالتوازي، سيمكننا ببساطة استنتاج العلاقة الوثيقة بين كلمة الله والملء بالروح القدس. فباعتبار الآيتان كمعادلتين طرفهما الأيسر متساوٍ؛ فلا بد أن الطرف الأيمن في المعادلتين على الأقل في علاقة شديدة.
«لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ بِغِنىً وَأَنْتُمْ بِكُلِّ حِكْمَةٍ مُعَلِّمُونَ وَمُنْذِرُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، بِنِعْمَةٍ، مُتَرَنِّمِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ.... شَاكِرِينَ اللهَ وَالآبَ بِهِ».
والامتلاء بالروح هو سر قوة المؤمن. وهو يظهر بداية من التفاصيل اليومية البسيطة: الكلام، النظرات، التصرفات، العادات. وبحسب أفسس ٥ يظهر بوضوح في كيف يُقضى الوقت.
هذا لا بد وأن ينشئ..
شكل جديد
«تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ» (رومية ١٢: ٢)، وتجديد الذهن يتم بعمل كلمة الله فيه. فبتأثير الكلمة وإقناعها تجد العادات وقد تغيرت، فهرب الرديء وظهر الثمين. والعلاقات أيضًا تبدَّلت فخَبَت المعاشرات الردية وترعرعت رفقة جديدة: «رَفِيقٌ أَنَا لِكُلِّ الَّذِينَ يَتَّقُونَكَ وَلِحَافِظِي وَصَايَاكَ» (مزمور١١٩: ٦٣).
مقاييس مهمة وجديرو بالالتفات. هل لديك المزيد؟
بالطبع. لكني أود أولاً أن تهضم ما قلناه وتفحصه عمليًا. على أن يكون لحديثنا بقية إن تأنى الرب.