تحدثنا في مرة سابقة عن دموع فانية بلا قيمة تذهب، لكن هناك دموع غالية كالذهب، مُقدَرة عند الرب وثمينة في نظره، من بين هذه الدموع.
(١) دموع التائبين الراجعين
في أغلب مشهد رجوع للنفس البشرية، بتوبة صادقة قلبية، غالبًا ما يصحبه زرف للدموع، سواء كانت في الخفاء أو في العلن. ومن أشهر هذه الدموع هو دموع المرأة الخاطئة: «وفِيمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ، جَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ. فَكَسَرَتِ الْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَابْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِالدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِالطِّيبِ» (لوقا ٣٦:٧-٣٧)، ولكن لماذا الدموع الغزيرة؟ يقينًا بسبب خطاياها الكثيرة، فكلما ذكرها الروح القدس بخطية بَكَّتّها وأقنعها بضرورة التوبة عنها والبكاء والندم عليها. «لأَنَّ الْحُزْنَ الَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يُنْشِئُ تَوْبَةً لِخَلاَصٍ بِلاَ نَدَامَةٍ، وَأَمَّا حُزْنُ الْعَالَمِ فَيُنْشِئُ مَوْتًا» (٢كورنثوس١٠:٧).
(٢) دموع تزرف لفراق المحبين
منها: ابن يبكي أباه: «فَوَقَعَ يُوسُفُ عَلَى وَجْهِ أَبِيهِ وَبَكَى عَلَيْهِ وَقَبَّلَه» (تكوين١:٥٠).
رجل عظيم يبكي زوجته: «وَمَاتَتْ سَارَةُ فِي قَرْيَةِ أَرْبَعَ، الَّتِي هِيَ حَبْرُونُ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَى إِبْرَاهِيمُ لِيَنْدُبَ سَارَةَ وَيَبْكِيَ عَلَيْهَا» (تكوين٢:٢٣).
صديق يبكي صديقه وحبيبه: «قَدْ تَضَايَقْتُ عَلَيْكَ يَا أَخِي يُونَاثَانُ. كُنْتَ حُلْوًا لِي جِدًّا. مَحَبَّتُكَ لِي أَعْجَبُ مِنْ مَحَبَّةِ النِّسَاءِ» (٢صموئيل٢٦:١).
القديسات تبكين تلميذة فاضلة نافعة: «قامَ بُطْرُسُ وَجَاءَ مَعَهُمَا... فَوَقَفَتْ لَدَيْهِ جَمِيعُ الأَرَامِلِ يَبْكِينَ وَيُرِينَ أَقْمِصَةً وَثِيَابًا مِمَّا كَانَتْ تَعْمَلُ غَزَالَةُ وَهِيَ مَعَهُنَّ» (أعمال٣٩:٩).
(٣) دموع المتضايقين المقهورين
حُرمت حنة من النسل، وتزوج زوجها ألقانة بفننة، وكانت ضرتها هذه تغيظ حنة؛ فبكت ولم تأكل، ولكنها صلَّت، والرب استجاب لها (صموئيل الأول٢٠:١). وما أكثر المظلومين المقهورين، يقول الحكيم: «ثُمَّ رَجَعْتُ وَرَأَيْتُ كُلَّ الْمَظَالِمِ الَّتِي تُجْرَى تَحْتَ الشَّمْسِ: فَهُوَذَا دُمُوعُ الْمَظْلُومِينَ وَلاَ مُعَزّ لَهُمْ، وَمِنْ يَدِ ظَالِمِيهِمْ قَهْرٌ، أَمَّا هُمْ فَلاَ مُعَزّ لَهُمْ» (جامعة ١:٤).
(٤) دموع لأجل الأشقياء البعيدين
«الذَّاهِبُ ذَهَابًا بِالْبُكَاءِ حَامِلاً مِبْذَرَ الزَّرْعِ، مَجِيئًا يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ حَامِلاً حُزَمَهُ» (مزمور ٦:١٢٦) وهل ننسى دموع يسوع من أجل أورشليم: «وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا» (لوقا ٤١:١٩). وعلينا أن نزرف الدموع ونصلي من أجل كل بعيد وخاصة من أصدقائنا وأقربائنا.
(٥) دموع المؤمنين الساقطين
قال داود عند سقوطه: «تَعِبْتُ فِي تَنَهُّدِي. أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي. أُذَوِّبُ فِرَاشِي» (مزمور ٦:٦).
وعندما أنكر بطرس المسيح «وتَذَكَّرَ كَلاَمَه الَّذِي قَالَ لَهُ: ”إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ“. فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا» (متى ٧٥:٢٦).
تقدير الرب لدموع المحبين
كم نشكر الرب إلهنا الذي هو قريب من المنكسري القلوب، فإن كنت تزرف الدموع مقهورًا منعزلًا، وفي غرفتك وحيدًا بلا رفيق وبلا حبيب، فاذكر أنه معك في الضيق ينقذك، ويمجدك ويريك خلاصه، وهذا ما يعزينا ونحن نزرف الدموع فهو:
(١) يراها
لقد تاهت هاجر في برية بئر سبع وكاد ابنها إسماعيل يموت عطشًا «فمَضَتْ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ بَعِيدًا نَحْوَ رَمْيَةِ قَوْسٍ، لأَنَّهَا قَالَتْ: ”لاَ أَنْظُرُ مَوْتَ الْوَلَدِ“. فَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا وَبَكَتْ. فَسَمِعَ اللهُ صَوْتَ الْغُلاَمِ، وَنَادَى مَلاَكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: ”مَا لَكِ يَا هَاجَرُ؟ لاَ تَخَافِي، لأَنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ الْغُلاَمِ حَيْثُ هُوَ“» (تكوين ١٦:٢١-١٧). وقال الرب لإشعياء النبي: «ارْجعْ وَقُلْ لِحَزَقِيَّا رَئِيسِ شَعْبِي: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ دَاوُدَ أَبِيكَ: قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ. قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ هأَنَذَا أَشْفِيكَ» (٢ملوك٥:٢٠).
(٢) يحفظها
إن دموعنا غالية عنده لدرجة أنها محفوظة عنده: «تيَهَانِي رَاقَبْتَ. اجْعَلْ أَنْتَ دُمُوعِي فِي زِقِّكَ. أَمَا هِيَ فِي سِفْرِكَ؟» (مزمور ٨:٥٦).
(٣) يتعاطف معها
لقد بكت مريم، وهنا نرى قمة المحبة والعطف والمشاركة «فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ، بَكَى يَسُوعُ» (يوحنا ٣٤:١١-٣٥).
(٤) يمسحها
وقريبًا «سَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ» (رؤيا ٤:٢١). قريبًا سيزيل الرب كل أسباب الحزن والوجع ويحق لنا أن نرتل من الآن: