تُخرج الشجرة ثمرًا كجنسها، إنه ليس قانون الطبيعة النباتية فقط، بل والروحية أيضًا؛ فهناك علاقة وطيدة بين الثمر الخارجي والبذرة الداخلية. واليوم في رحلة بحثنا في طبيعة الإيمان، من خلال بطل عاش وشُهد له بومضات إيمانية مُشرِّفة. سنكتشف معًا إيمانه، ولكن من ثمر حياته، عملًا بقول الكتاب «أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي (يعقوب١٨:٢).
تدور رحلة بحثنا في بستان حياة رجل، هو آخر القضاة وأول الأنبياء. كانت قصة ولادته تحكي عن ثقة أمه في الصلاة، فقبل أن ينطفئ سراج الله بسبب ضعف الكهنوت روحيًا، وُلد صموئيل، من نسل لاوي وتحديًدا من القهاتيين (١أخبار٣٣:٦)، ومن نسله جاء هيمان المرنم (مزمور٨٨)، فكانت نبتة حياته هي بمثابة غصن بين أشواك، وتعال معي عزيزي لنستكشف من محطات حياته، ثمر الحياة المؤمنة: -
١-النشأة
ففي وسط أجواء فاسدة من حفني وفينحاس ابنا عالي، حيث استهانا بتقدمة الرب، وأدبيًا بقدوس إسرائيل، وفي خيمة الاجتماع كانا يضاجعان النساء، وعالي لم يكن حاسمًا بل أكرم بنيه على الرب (١صموئيل٣٠:٢). في وسط هذا الفساد، وبإيمان، سألت حنة الرب ليفتح رحمها، فكانت استجابة الرب بصموئيل الذي يعني ”سُئل من الله“. وبعد أن أرضعته وفطمته، أصعدته إلى بيت الرب وقالت عنه إنه مُعار للرب (١صموئيل٢٨:١). وكانت تأتي إليه بلباس كتان من سنة إلى سنة (١صموئيل١٨:٢-١٩). لقد سبقت الأم وزرعت في ولدها إنه مِلكٌ للرب وليس لنفسه. وأيضًا علمته لبس الكتان الأبيض النقي لكي ينمو الصبي محبًا للنقاوة والقداسة، وقد كان كما أردت أمه.
لقد كانت أمام صموئيل أبواب الشر على مصاريعها، لكنه كان يعمل فيه سر الإيمان (١تيموثاوس٩:٣) الذي ينميه في الصلاح ومخافة الرب (١صموئيل٢٦:٢). صديقي، ما أظهره بطلنا من تميُّز أخلاقي بالرغم من الشر المحيط، لهو دعوة لنا جميعًا في وسط جيل معوج وملتوِ، تضيئون بينهم كأنوار في العالم (فيلبي١٥:٢).
٢-الخدمة
كانت خدمة صموئيل في الحقبة الأخيرة لإيام القضاة - التي استمرت ٤٥٠ سنة (أعمال٢٠:١٣) - حيث كان خراب في كل النواحي. ورغم ذلك عمل الإيمان في قلبه وفتح أذنه ليسمع صوت الرب منذ صباه، ورغم أن كلمة الرب كانت عزيزة، إلا أنَّ صموئيل كلمه الرب، بل وبسبب وجود رجل أمين مثله تغير المشهد تمامًا، فقيل «وَعَادَ الرَّبُّ يَتَرَاءَى فِي شِيلُوهَ، لأَنَّ الرَّبَّ اسْتَعْلَنَ لِصَمُوئِيلَ فِي شِيلُوهَ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ» (١صموئيل٢١:٣). صديقي مهما كانت الحالة من حولك ثق أن الإيمان الحقيقي يجعل الله أن يتكلم.
لقد تميزت خدمته بمعية الرب، رغم كثرة الأحداث التي مرت بها خدمته: من هزيمة إسرائيل، وأخذ تابوت الرب، وموت عائلة عالي (١صموئيل٤)، وما تلى ذلك من مسح ملكين هما شاول وداود، وأمور كثيرة مسجلة في سفر صموئيل الأول.
٣-رجل الشركة مع الله
لم يكن كمِثل قضاة سابقين بدأوا ولم يكملوا، فكما تنبأت أمه أنه للرب جميع أيام حياته هكذا كان، فسُجل عنه «وَقَضَى صَمُوئِيلُ لإِسْرَائِيلَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ... وَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ» (١صموئيل١٥:٧-١٧). لعلك فطنت معي لسبب استمرارية هذا البطل كل أيام حياته، وهو بناء مذبح للرب في الرامة حيث سكنه. والمذبح يكلمنا عن الشركة مع الله، فثمر الإيمان أساسه الشركة اليومية مع الله والتي من خلالها نفهم فكره ونحيا وصاياه. أشجِّعك أن تعود إلى حياة الشركة مع الله؛ فيتم فيك المكتوب: كشجرة مغروسة عند مجاري المياه تعطي ثمرها في أوانها (مزمور١).
٤-رجل الشجاعة الأدبية
لقد قدم صموئيل فضيلة ”الشجاعة الأدبية“، وكان ذلك دليل على الإيمان الحقيقي. ففي صباه أخبر عالي بما قاله الرب، دون خوف أو أي تغيير في المحتوى (١صموئيل١٨:٣). وتمر الأيام ويعفو شاول الملك عن أجاج العماليقي، لكن صموئيل فهم فكر الرب، وبكل شجاعة نفذ قول الرب وحكمه (١صموئيل٣٣:١٥). يا له من إيمان فعّال يطيع الرب أولًا فلا يخاف الملوك.
رائع أن يصفك أحدهم بلقب ”مُصلي“، فما بالك أن الرب نفسه يصف صموئيل بذلك! ففي وقت لاحق أيام قال إرميا «ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِي: وَإِنْ وَقَفَ مُوسَى وَصَمُوئِيلُ أَمَامِي» (إرميا١:١٥)، وهنا إشارة من الرب نفسه لصموئيل رجل التشفع. بل كاتب المزمور يؤكد على ذلك: «صَمُوئِيلُ بَيْنَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِهِ. دَعَوْا الرَّبَّ وَهُوَ اسْتَجَابَ لَهُمْ» (مزمور٦:٩٩). يا لها من شهادة لامعة من الله، ومصادقة من الوحي على حياته المصلية. عزيزي في وقت لاحق أكد الرب صدق إيمان شاول الطرسوسي بكلمة واحدة «هوذا يصلي» (أعمال١١:٩)؛ فإن ثمر حياة الإيمان هو الصلاة والاتكال الكامل على الرب.
انظر معي لِمَا عاش صموئيل مقتنعًا به؛ لعل ذلك يترك فيَّ وفيك درسًا لا يُنسى، ففي يوم طلب منه الشعب أن يصلي لأجلهم، فكان جوابه «وَأَمَّا أَنَا فَحَاشَا لِي أَنْ أُخْطِئَ إِلَى الرَّبِّ فَأَكُفَّ عَنِ الصَّلاَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ، بَلْ أُعَلِّمُكُمُ الطَّرِيقَ الصَّالِحَ الْمُسْتَقِيمَ» (١صموئيل٢٣:١٢). يا لها من قناعة، فكان صموئيل يرى أن عدم الصلاة لأجلهم خطية إلى الرب! أين نحن من ذلك؟ ليت الرب يزرع فينا هذه القناعة ونتوب عن خطية عدم الصلاة لمن حولنا سواء في خدمتنا أو عائلاتنا وجيراننا.
عزيزي لم أكن مُبالغ حينما وصفت حياة صموئيل ببستان، فهي بالحق مليئة بالثمار النافعة لمجد الله أولاً، ولفائدة عائلة الإيمان ثانيًا. ولما لا فهو واحد من شهود الإيمان المذكورين في سحابة الشهود «وَمَاذَا أَقُولُ أَيْضًا؟ لأَنَّهُ يُعْوِزُنِي الْوَقْتُ إِنْ أَخْبَرْتُ عَنْ جِدْعُونَ، وَبَارَاقَ، وَشَمْشُونَ، وَيَفْتَاحَ، وَدَاوُدَ، وَصَمُوئِيلَ، وَالأَنْبِيَاءِ» (عبرانيين٣٢:١١). وما شاركتك به ما هو إلا القليل من المنافع ليكون فقط كفاتح شهية لدراسة حياة هذا البطل. وإلى أن القاك في بستان حياة بطل آخر، الرب معك.