بعد استشهاد استفانوس، رجمًا بالحجارة، حَدَثَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ اضْطِهَادٌ عَظِيمٌ عَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ، فَتَشَتَّتَ الْجَمِيعُ فِي كُوَرِ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ، مَا عَدَا الرُّسُلَ. لقد تركوا بيوتهم وحقولهم وأملاكهم وأعمالهم وهربوا بعيدًا عن أورشليم (متى١٠: ٢٣).
قال الرب لتلاميذه قبل صعوده إلى السماء: «لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أعمال١: ٨). ولكنهم بعد يوم الخمسين، وإيمان الكثيرين بالرب يسوع (أعمال٥: ١٤)، استمروا في أورشليم حوالي أربع سنوات، حيث الشركة معًا، والأفراح والتعزيات. وربما نسي الرسل والمؤمنين مسؤوليتهم في الشهادة عن الرب يسوع فِي باقي الأماكن كما أوصاهم؛ لذلك سمح لهم بالاضطهاد العظيم، فتشتتوا، وذلك لكي يصل الإنجيل لليهودية والسامرة.
«فَالَّذِينَ تَشَتَّتُوا جَالُوا مُبَشِّرِينَ بِالْكَلِمَة». لم يهتموا براحتهم الشخصية أو سلامتهم، بل كان هدفهم نشر الكلمة، لقد فعل الاضطهاد بالكنيسة ما تفعله الرياح بالبذار، إذ تنثرها لتأتي بمحصول وفير، لأن كلمة ”تشتت“ تعني نثر البذار. قال أحدهم إن التلاميذ لم يطيعوا كلام الرب لهم في أعمال١: ٨، فسمح لهم بأعمال ٨: ١.
لم تكن مسؤولية التبشير على الرسل فقط، بل على كل المؤمنين بالمسيح، وأيضًا نجد أنه، بدون ترتيب من الرسل، جال هؤلاء المؤمنين يزرعون بذار الكلمة في كل مكان بعيدًا عن أورشليم.
«فَانْحَدَرَ فِيلُبُّسُ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ السَّامِرَةِ وَكَانَ يَكْرِزُ لَهُمْ بِالْمَسِيحِ». نلاحظ أن فيلبس هذا ليس من التلاميذ الاثنا عشر، لكنه فِيلُبُّسَ الْمُبَشِّرِ، وكَانَ وَاحِدًا مِنَ السَّبْعَةِ الشمامسة الذين تم اختيارهم لخدمة توزيع المبالغ المالية على الأرامل والمحتاجين من المؤمنين (أعمال٦).
استخدم الله فيلبس بقوة في السامرة، متحديًا التمييز العنصري والديني بين اليهود والسامريين، وقبلت السامرة كلمة الله، ولكن لا ننسى أن الرب يسوع هو أول من ذهب إلى السامرة، وألقى بذار الكلمة هناك (يوحنا٤). نعلم أن الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ السَّامِرِيِّينَ (يوحنا٤: ٩)، لأنهم شعب خليط من اليهود والأمم، وكانت الكرازة لغير اليهود، إعلان أن المسيح جاء إلى العالم أجمع وليس لليهود فقط.
استخدم الرب فيلبس بقوة وأيده بالآيَاتِ ليعلن لأهل السامرة أن قوة سيمون الساحر مزيفة.
فَكَانَ فَرَحٌ عَظِيمٌ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ لأنهم تمتعوا بغفران خطاياهم، وأيضًا تحرروا من قبضة إبليس (لوقا١٩: ٦) «وَلكِنْ لَمَّا صَدَّقُوا فِيلُبُّسَ وَهُوَ يُبَشِّرُ بِالأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ وَبِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، اعْتَمَدُوا رِجَالاً وَنِسَاءً» (أعمال٨: ١٢).
كانت النتائج عظيمة، لأن فيلبس تحرك في التوقيت المعين من الله إلى السامرة، وكان مؤيَّدًا بقوة الروح القدس، وأيضًا جاء زمن افتقادها. «وَلَمَّا سَمِعَ الرُّسُلُ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ أَنَّ السَّامِرَةَ قَدْ قَبِلَتْ كَلِمَةَ اللهِ أَرْسَلُوا إِلَيْهِمْ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا». نجد هنا اهتمام الرسل بمتابعة نشر الإنجيل في الأماكن الجديدة، لذلك أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا، اثنان من التلاميذ القادة والمؤثرين. يجب أن نتعلم من الرسل، أنه عندما يصل الإنجيل إلى منطقة جديدة، أن يُرسل لهم من يقدِّمون لهم التعليم الصحيح، وأيضًا يصلّون من أجلهم.
عندما وصل بطرس ويوحنا إلى السامرة كان المؤمنون قد اعتمدوا باسم الرب يسوع المسيح، ولكن لم يكن قد حل عليهم الروح القدس، فصليا لأَجْلِهِمْ لِكَيْ يَقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ، حِينَئِذٍ وَضَعَا الأَيَادِيَ عَلَيْهِمْ فَقَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ.
كان ذهاب بطرس ويوحنا إلى السامرة مهم جدَا لعدة أسباب:
بطرس أخذ من الرب مفاتيح ملكوت السماوات (متى١٦: ١٩)، أي الدخول إلى دائرة الاعتراف المسيحي. ولقد فتح الباب لليهود في عظته الأولى يوم الخمسين، يوم حلول الروح القدس، وربح ثلاثة آلاف نفس (أعمال٢)، وأيضًا فتح الباب بعد ذلك للأمم (أعمال١٠)، وكان لابد أيضًا أن يفتح الباب للسامريين. ومع أن فيلبس بشرهم واعتمدوا بالماء، لكن لم يحل عليهم الروح القدس إلا بعد مجيء بطرس ويوحنا.
لكيلا تستقل كنيسة السامرة عن كنيسة أورشليم، ولذلك لم يحل عليهم الروح القدس إلا بعد مجيء الرسولان بطرس ويوحنا لكي يصليا من أجلهما، وأيضًا يضعا عليهما الأيادي، أي أن السامريين المؤمنين انحنوا واتضعوا لكي يضع بطرس ويوحنا أيديهما عليهم.
وبذلك تُحفظ وحدة الكنيسة في كل مكان، لأن الكنيسة مكوَّنة من يهود وأمم، من كل القبائل والألسنة والشعوب والأمم (كولوسي٣: ١١). وبذلك اشترك السامريون المكروهون من اليهود في معمودية الروح القدس على السواء، وتمتعوا ببركات سكناه في القديسين.
وما حدث مع السامريين كان حالة خاصة، ولا يحدث الآن، لأن الذي يؤمن بالمسيح يسكن فيه الروح القدس مباشرة (أفسس١: ١٣)، وينضم إلى جسد المسيح (١كورنثوس١٢: ١٣).
لكي يعالج المرارة القديمة بين اليهود والسامريين.
تشجيع المؤمنين حديثًا وثباتهم في التعليم الصحيح، ومعرفة الحق.
وجود شركة بين المؤمنين في أورشليم والسامرة.
مصادقة الرسل على خدمة فيلبس والذي استخدمه الرب بقوة عظيمة.
العمل كثير على رجل واحد، ولا بد من مشاركة آخرين.
كشف الحقيقي من المزيف، فليس كل من اعتمد بالماء هو مولود من الله، بل من سكن فيه الروح القدس.
«ثُمَّ إِنَّهُمَا بَعْدَ مَا شَهِدَا وَتَكَلَّمَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ، رَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ وَبَشَّرَا قُرىً كَثِيرَةً لِلسَّامِرِيِّينَ»
مكثا الرسولان فترة في السامرة، حيث شَهِدَا وَتَكَلَّمَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ، وأثناء رجوعهما إلى أورشليم، بَشَّرَا قُرىً كَثِيرَةً لِلسَّامِرِيِّينَ، وهذا يُرينا عدة أمور:
لقد انفتح قلبيهما للشهادة عن الرب في قرى السامريين، أي ليس لليهود فقط.
غيرتهما على مجد الرب، والرغبة في خلاص نفوس كثيرة، ونشر كلمة الله.
لم يضيعا الفرصة الثمينة في البشارة في رحلة عودتهما، فعلينا أن نكرز بالكلمة في وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ (٢تيموثاوس٤: ٢).
الرب يهتم بالمدن والقرى، وعلى خدام الإنجيل التحرك إلى المدن والقرى.
من هذا نتعلم أن خطة الله لابد أن تتم، سواء بنا أم بغيرنا، ولكن عندما نقصر في الخدمة التي كلفنا الرب بها، فإن الرب يُقيم غيرنا ليعملها، ولكن في هذه الحالة نكون خسرنا المكافأة، ولم نتمم خدمتنا. ليحفظنا الرب من ذلك. لقد كانت زيارة بطرس ويوحنا إلى السامرة مثمرة، وبحسب خطة الله، وحققت القصد منها، يا ليت خدمتنا تكون مثمرة لمجد ربنا يسوع المسيح.