جاء متهلل الوجه، وبادر بالحديث متحمسًا:
نصائحك المرة السابقة صنعت فرقًا معي؛ وصلاتي المستمرة أن يكشف لي الرب طُرُقَه ويعلن لي عن نفسه أكثر فأعرفه. كما لا تفارق ذهني ثمار التغيير التي تحدثنا عنها. لذلك أنا أكثر شوقًا لاستكمال حديثنا عن ثمار دراسة كلمة الله وفهمها.
يسعدني أن أسمع هذا، فمن دواعي سروري أن أراك متفاعلاً مع ما تكلمنا عنه.
إذًا، زدني من أفكارك في هذا الصدد: ما الذي يجب أن تحدثه كلمة الله في حياتي.
من شأن فحص كلمة الله، كما سبق أن قلنا: المعرفة الأوضح والأقرب للرب، والتغيير في الحياة. ويتبع ذلك أمر في منتهى الأهمية؛ فالمؤمن له أعداء ثلاثة يحاولون إعاقة مسيرته الروحية، هم: الشيطان والجسد والعالم. لذلك يبحث كل مؤمن حقيقي باجتهاد، ولا سيما الشباب، أمام هذه المعركة الضارية، عن:
النصرة الروحية
في مزمور ١١٩، الأطول بين المزامير، وموضوعه كلمة الله وتأثيرها، نجد الكثير عن دور كلمة الله في النصرة الروحية. فأعرف من ع١١ أنني إذا خَبَأْتُ كَلَامَ (الرب) فِي قَلْبِي ستكون النتيجة لَا أُخْطِئَ إِلَى الرب. فبدون كلمته لن أعرف مقاييسه، وبجهل قد أفعل ما لا يرضيه، أو قد يخفى عني أن هناك طريقًا للنصرة. لكن إن ملأتني كلمته سترشدني لعمل مرضاته كما وستعطيني القوة لذلك بمعرفة ما لي في شخص المسيح وعمل الروح القدس في حياتي.
هل هذا يعني أني كمؤمن لن أخطئ مطلقًا؟
لم أقُل هذا؛ فمع أن المفترض ألا أخطئ كمؤمن إلا أني سأبقى، نظرً لوجود الطبيعة القديمة (الجسد) فيَّ، عُرضة للشتات والابتعاد عن الرب، وقد أزل في طريقي، أو أنخدع من مكر الشرير فأسقط في خطية. فإذا حدث هذا؛ فبالعودة لكلمة الله تقودني لأن أتَفَكَّر فِي طُرُقِي، فتكشف لي من أين سقطن، وتقودني للتوبة ولأن أرَدَدُ قَدَمَيَّ إِلَى شَهَادَاتِه وطريقه (ع٥٩).
ومن ع ١٣٣، أجد أن للكلمة دور هام في أن لَا يَتَسَلَّطْ عَلَيَّ إِثْمٌ؛ فإذ تتثَبّت خُطُوَاتِي فِي كَلِمَتِه، بمعنى أن أقيس تصرفاتي عليها، وآخذ قراراتي بناء عليها، بل وأنظر للحياة كلها من منظورها؛ فهي كفيلة بفك قيود خطايا قد أكون استسلمت لها، فلا تتسلط عليّ.
ومع أن حيل الشيطان ماكرة، وخداع الجسد شديد، وإغراءات العالم قوية، وكلها مجتمعة تنسج شبكة لاصطيادي لأخطئ، وتحتاج لحكمة لا أمتلكها من ذاتي لمواجهتها، إلا أنني أستطيع أن أهتف مع المرنم: وَصِيَّتُكَ جَعَلَتْنِي أَحْكَمَ مِنْ أَعْدَائِي (ع ٩٨). فللمؤمن فطنة تبصِّره وتنصره طالما هو قريب من الكتاب المقدس خاضع له.
ولا شك أن أسمى صور الانتصار في التجربة كانت في انتصار الرب يسوع، كإنسان، على الجبل؛ فرغم كل ما استخدمه الشيطان من حيل انتصر المسيح بكلمة واحدة ”مكتوب“ (متى ٤: ٤، ٧، ١٠). لقد قصد أن يترك لنا مثالاً كيف نغلب في معركتنا الروحية؛ فلم يستخدم سلطانه الشخصي، بل استخدم ما يمكننا جميعًا استخدامه: كلمة الله: الكتاب المقدس.
إنها لَنتيجة رائعة للالتصاق بكلمة الله. زدني من النتائج إذًا.
في الجانب الإيجابي تأتي نتيجة رائعة وهي
الاستعداد لكل عمل صالح
فنحن نعلم أننا كمؤمنين «مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس ٢: ١٠). لكن هل ترى ينطبق ذلك عمليًا على جميعنا؟
اعتقد لا.
هنا يأتي دور الكتاب المقدس. فنقرأ أن «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلًا، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ» (٢تي٣: ١٦-١٧). أو دعني أضعها في صورة معادلة رياضية هكذا:
١٠٠٪ من الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ = يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ ١٠٠٪ + مُتَأَهِّبًا لـ١٠٠٪ عَمَلٍ صَالِحٍ. (٢تي٣: ١٦-١٧)
أوافقك على المعادلة لكن أحتاج بعض التوضيح كيف يكون ذلك عمليًا.
كلما درست كلمة الله بفهم وعمق وتركيز، وتركتها تفعل فعلها في داخلي، من خلال استعدادي لطاعة ما تعلمني إياه، ستعلمني ما هو الصواب، وتوبخني على ما هو خطأ لأتوب عنه وأتجنبه، فتستقيم حياتي، كما وترشدني إلى ما هو صالح. وهكذا أكون مستعدًا لكل عمل صالح.
هل مجرد قراءتي للكتاب تفعل هذا الفعل؟
ضعني أضع خطًا تحت بعض كلمات مما قلت: بفهم، وعمق، وتركيز، وطاعة.
فلا تتوقع الكثير إن خصصت للكتاب وقتًا تركيزك فيه قليل كآخر اليوم أو وقت تعبك. كذلك عليك أن تبذل مجهودًا لتفهم ما يريد الله أن يوصل لك من خلال الكلمة. واهتم بالعمق متفاديًا السطحية في التعامل مع الكلمة. وفوق الكل كن على استعداد لطاعة ما يعلمك الله خلال دراستك للكلمة؛ فالله لن يعلِّمك درسًا جديدًا قبل أن تطيع ما سبق وعلّمك إياه. وكلما أطعت أخذك إلى عمق جديد.
الأمر يتطلب الكثير من الجهد والحكم على الذات.
نعم يتطلب، ولكن لا تنسّ أن النتيجة تستحق ذلك.
هل من مزيد؟
نعم عندي أمر، لأهميته سأرجئه للقائنا القادم فنتكلم فيه باستفاضة.
إذًا إلى لقاء.