ابدأ بنفسك

لا بد وأن يقوم طاقم المُضيفين والمضيفات، بتوجيه المسافرين إلى تعليمات الأمان أثناء السفر بالطائرة،

ومن أهم تلك الارشادات هي إنه في حالة التعرض إلى طوارئ جوية - خاصة في حالة نقص الأكسجين على الطائرة أو في حالة الهبوط الاضطراري على سطح الماء - عليك وأن “تبدأ بالاهتمام بنفسك أولًا بارتداء قناع الأكسجين أو سترة الأمان”. ومن ثَم يمكنك بعدها مساعدة الآخرين للنجاة من حالة الطوارئ تلك. لذا، يحرص المُضيفين على توضيح كيفية استخدام قناع الأكسجين وسترة الأمان وكيفية الخروج من الطائرة في حالات الطوارئ.

وفي الحقيقة، هذا مبدأ هام جدًا لحياتنا العامة، فقبل توجيه الإرشاد أو اللوم إلى أي شخص من حولنا، علينا أن نبدأ بأنفسنا أولًا، حتى ما يكون هناك قبول لكلامنا أو أفعالنا، لئلا نكون كالمُرائين: «أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟ يَامُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!» (متى ٧: ٤، ٥).

ومن هنا أريد أن أشارك معك قارئي العزيز، ببعض البدايات الجديدة التي لا بد وأن نحرص على القيام بها بأنفسنا أولًا، واثقين في نعمة الرب وصلاحه لإعادة تشكيل حياتنا لكي ما «نشبه صورة المسيح» في كل تفاصيل الحياة.

بداية بعد الشر والانحدار:

يعلمنا البشير لوقا في إنجيله عن قصة الابن الأصغر الذي ضل الطريق وشَردَ بعيدًا عن بيت أبيه وذهب إلى بلد بعيد. وهناك انغمس في ملذات وشهوات العالم، حتى تغير به الحال وانحدر سريعًا، فأصبح يشتهي الخرنوب الذي يأكله الخنازير. لكنه «رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعًا! أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ» (لوقا ١٥: ١٧، ١٨) وهنا كانت البداية الجديدة في حياته للعودة إلى نفسه، ومنزله، وأبيه الذي استقبله بكل الحب والحنان والتقدير، وأمر عبيده قائلًا: «أَخْرِجُوا الْحُلَّةَ الأُولَى وَأَلْبِسُوهُ، وَاجْعَلُوا خَاتَمًا فِي يَدِهِ، وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ، وَقَدِّمُوا الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ وَاذْبَحُوهُ فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ،» (لوقا ١٥: ٢٢، ٢٣).

قارئي العزيز، قد تكون في حال مشابه لذلك الابن الذي ضل طريقه منحدرًا في الشرور والخطايا، لكن ما زال الآب الحنَّان في انتظارك بالأحضان الأبوية مُشتاقا إليك لاسترداد قيمتك وإنسانيتك فيه، فهل تُقبِل إليه وتبدأ معه بداية علاقة جديدة.

بالأحضان الابوية قلبك بينادي عليّ

بداية بعد البُعد والإنكار

لقد حذر الرب يسوع بطرس من خطورة الثقة في الذات والاعتماد عليها، فطلب منه مع باقي التلاميذ أن يسهر ويصلي لئلا يدخل في تجربة. لكنه للأسف نام في بستان جثسيماني قبل وقت قصير جدًا من صليب المسيح. لذلك عندما جاء العدو للقبض على يسوع تهور وقطع أُذن مَلخس عبد رئيس الكهنة، ثم تبع الرب من بعيد. وانتهى به الحال بان أنكر معرفته وتبعيته للرب يسوع ٣ مرات قُبيل صليب المسيح. لكن ما أعجب وأوسع النعمة التي شملت واحتوت بطرس - من جديد- بالرغم من إنكاره للمسيح، لتعمل فيه وبه إناء للكرامة ونافع لخدمة السيد، إذ صار إناء للوحي، شاهد عن قيامة المسيح ورابح للنفوس، إذ في عظة واحدة ربح ٣٠٠٠ نسمة للمسيح.

بداية بعد الذُل والمرار

أكتب هنا عن يوسف، والذي عانى من الرفض، والكُره، والسخرية، والظلم، والنسيان، والسجن «بِيعَ يُوسُفُ عَبْدًا. آذَوْا بِالْقَيْدِ رِجْلَيْهِ. فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ» (مزمور ١٠٥: ١٧، ١٨)، لكن أمام كل هذا ثبَّت نظره على الله، واثقًا في صلاحه، وامكانياته وتوقيتاته. وبالفعل أنقذه الله وتنازل إليه برحمة شديدة، وأعطاه نعمة في عيون فرعون ليبدأ معه «بداية جديدة» ومختلفة تمامًا جعلت منه ثاني رجل في مصر ومخلِّص العالم كله من سنين الفقر والعوز، وأفاض عليه في كل جوانب الحياة سواء الاجتماعية، الأسرية، المادية.

أخي... أختي، قد نمر بمراحل في حياتنا من الذل والمرار في جوانب مختلفة من الحياة سواء مهنية، مادية، اجتماعية، وغيرها، لكن دعونا نثق في الرب وصلاحه وسلطانة على كل مجريات الأمور، قد يبدو متمهلًا لكنه لا يأتي متأخرًا، لذا دعونا نصبو ونصبر له، فهو ليس عنا ببعيد.

Vivamus sagittis lacus vel augue laoreet rutrum faucibus dolor auctor. Duis mollis, est non commodo luctus.

مش هبص بعين حزينة
على اللى فات من ذكريات
أنت جاى بأحلى زينة
ليك غرض أيوه وميعاد

بداية بعد الكسر والانهيار

يخبرنا النبي إرميا عن نظرة الفخاري الأعظم و هو يتعامل مع قطعة «طين» أراد أن يستخدمها ليعمل منها وعاءً خزفيًا جميلاً، لكن أثناء وضعها على الدولاب «فَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ»، لكن، ما أجمل وأروع عيون وأيادي، بل صبر وطول أناة الفخاري الأعظم، إذ أراد أن يعيد تشكيل الوعاء الفخاري من جديد وكأن شيئًا لم يحدث، وبدلاً من إلقائه في سلة المهملات، صار له مكانة ووضع خاص جدًا «فَعَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ.» (إرميا ١٨: ٤).

أحبائي،

قد نكون قد انغمسنا في الشر والتوهان بعيدًا عن الرب، وقد نُشابة هذا الإناء المُشقَّق عديم القيمة بسبب انطباع علامات الشر والخطية في حياتنا على أصعدة مُختلفة، لكن، أرجوك لا تفقد ثقتك وإيمانك في قُدرات وإمكانيات الفخاري الأعظم - الرب يسوع المسيح- القادرة على تغيير المشهد والصورة تمامًا لتصير «إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (٢ تيموثاوس٢: ٢١)

كُل إناء مَكسور مِتشَقَّق
رَبِّي جَمالَك فيه هايبان
فاضي، ولَكِن فيك بِنصَدَّق
فيض مِش بَس يكون مَليان
شُكرًا ليك عَلى تَعَبَك فينا
تَشكيلَك فَخَّاري حَكيم
عَلى صَبرَك عَلى كُل فَشَلنا
وأناتَك يا ابو قَلب رَحيم