حنة التقية وفننة المؤذية

في ١صموئيل ١ قصة من أروع وأعظم قصص الكتاب. حيث ألقانة المتزوج من حنة التي كان الرب قد أغلق رحمها: وفننة وكان لديها أولاد. وكانت فننة تغيظ حنة. ونرى في تفاصيل القصة عدة أمور تدعو للتأمل:

١- حنة التقية

كانت حنة محبوبة من زوجها، لكنها محرومة من الأطفال، وكم يكون هذا الأمر ضاغطًا على المرأة بالذات. والكتاب يعلن أن الرب أغلق رحمها، وهذا الأمر بحسب العهد القديم كان يزيد الضغط ألمًا. ثم أن فننة كانت تغيظها وهذا الأمر يدعو للعجب. كيف يملأ الشر قلوب الناس بهذه الطريقة؟

من الضغط النفسي من إغاظة فننة، كانت تبكي ولم تستطع أن تأكل ولا تستمتع بوقتها كبقية الناس حولها في العيد. حاول زوجها أن يخفف عنها، لكن الأمر أصعب من مجرد بضع كلمات تُقال.

لجأت حنة التقية إلى الطريق الوحيد أمامها، ومن الواضح أنها كانت تسلكه كثيرًا. جلست تُصلي بقلبها وشفتيها تتحركان (١صموئيل ١: ١٣) ورآها عالي وتخيل أنها سكرى. ولما عرف الأمر شجَّعها. فقامت حنة من الصلاة ووجهها لم يكن بعد مُغيَّرًا. هذا ما يحدث للأتقياء بعد أن يلتقوا بالرب ويسكبوا ذواتهم أمامه. وبعد أن يتقابلوا مع رجال الله ويسمعوا كلمات الرب منهم. رغم أن المشكلة ما زالت قائمة إلا إن الرب غيَّر قلب حنة. فلم تصبح كما كانت. لم تعد تتذكر كلمات فننة، لم تعد حزينة ومنكسرة ومضغوطة كما كانت. صارت امرأة أخرى بعد أن تقابلت مع الرب.

أكرم الرب حنة وأعطاها صموئيل؛ ولأنها تقية فهي قد قبلت العطية من الرب، ونسبتها له وحده فأطلقت عليه «صموئيل» أي سمع الرب (ع٢٠). فالأتقياء يأخذون كل شيء من يد الرب، وحين يكرمهم الرب لا ينسونه، بل ينسبون كل ما لهم للرب.

لم تكتف حنة بهذا، بل قررت أن تعطي صموئيل ابنها للرب (ع٢٢)؛ لقد أعطاها الرب صموئيل فلم تبخل على الرب به. لم تأخذه في حضنها وتغيظ به فننة، بل أعطته للرب ليخدمه في الهيكل (ع ٢٤–٢٨)! يا لها من امرأة تقية. وفي هذا المشهد نذكر ما رآه الرب يومًا في الهيكل حين كان الأغنياء يضعون في الصندوق من فضلتهم، وهؤلاء مثل فننة التي تأتي للهيكل لأهداف غير نقية، بينما الأرملة وضعت كل ما معها في الصندوق كما فعلت حنة التقية. الأتقياء يتصرفون بذات الأسلوب مهما تغير الزمن ومهما تغيرت الظروف.

كلمة الله لا تنكر أن المؤمن قد يمر بضغوط صعبة، وأن الأشرار قد تكون أحوالهم أفضل في بعض الأحيان – بحسب المقاييس البشرية – كما نرى مثلاً في مزمور ٧٣ لآساف. لكنها تؤكد لنا أن كل أمور المؤمن بين يدي الرب، وله معاملات عظيمة معه، وأنه بجواره في أحلك الظروف وأصعب الأحوال.

كانت فننة لديها أولاد لكنهم أصبحوا أولادًا عاديين كبقية الأولاد لأنها كانت مشغولة بإغاظة حنة. لكن حنة سلكت بطريقة مختلفة، رغم الضغط إلا أنها تشكلت بيد الفخاري الذي جعلها أُمًّا لواحد من أعظم الأنبياء ورجال الله في أصعب الأوقات.

٢- فننة المؤذية

تمثل كثيرين نلتقي بهم دائمًا في كل الأجيال والمجتمعات، بصور مختلفة. فهي الغريبة التي تقف أمامها مندهشًا من كَمَّ الحقد والغيرة والمرض النفسي الذي يملأ قلبها. لديها أطفال وبدلاً من أن تفرح بهم، وضعت كل اهتمامها في إغاظة حنة. بدلاً من أن تواسي حنة لأنها تشعر بها كامرأة مثلها، اختارت الطريق الأسوأ وصارت عدوة لها. والأصعب من هذا أن الكتاب يذكر أن فننة كانت كلما صعدت إلى بيت الرب، هكذا كانت تغيظها. كانت تذهب إلى بيت الرب لا لتحتفل، أو تعبد الرب، أو تفرح بأولادها. كان كل اهتمامها أن تغيظ حنة. كم نرى عددٌ ليس بقليل مثل فننة اليوم. هم في الكنيسة لأجل أمور شريرة. يذهبون، ومن أكثر المواظبين على الكنيسة، لا بسبب محبتهم للعبادة والخدمة إنما لكي يفعلوا أمورًا شريرة!!

فننة لديها أولاد وتحقد على حنة المسكينة الحزينة المنكسرة، هي مثل شاول الملك الذي كان يغار من داود، وآخاب الشرير الذي كان يغار من نابوت اليزرعيلي، ومثل رؤساء الكهنة الذين كانوا يحقدون على المسيح.

لا نقرأ عن أي تعاملات إلهية مع فننة. فالرب أغلق رحم حنة، ثم سمع صلاتها وأعطاها صموئيل. بينما فننة لا ذِكْر لها إلا في كل موقف مؤذٍ وكل تصرف شرير. هكذا الأشرار الذين نراهم حتى يومنا هذا. لن تجد معاملات إلهية، ولن تسمع منهم اختبارات روحية. كل ما يملكونه هو الشر، والإغاظة، والحقد، والنميمة. في هذه الأمور يجدون قيمتهم. أما غير ذلك فهم غير فاعلون.

لكن ما هي قصة فننة؟ وكيف أصبحت؟ لا شيء. فهي مجرد امرأة حقودة حكى لنا عنها الكتاب لنعرف كيف يكون الشرير. بينما حنة المسكينة المُصلية صارت أمًا عظيمة إلى الآن نتعلم من صلاتها، ومن تسبيحتها، ومن تأثيرها العظيم في حياة صموئيل. ونحن علينا أن نختار إما أن نعيش مثل حنة التقية التي يُشكِّلها الفخاري، أو نكون كفننة الحقودة الغيورة الشريرة التي لا يعرف عنها أحد شيئًا إلا كل ما هو سلبي.

٣- الله العظيم في معاملاته

كم هو عظيم، وغني وكلي القدرة والسلطان. لو كان الله أعطى حنة أطفالاً كما فعل مع فننة لكان الأمر قد صار طبيعيًا. وربما تحولت حنة لامرأة أخرى تغيظ فننة بمحبة زوجها لها. لكن انظر إلى نتيجة تعاملات الله مع حنة التقية العظيمة؛ أغلق رحمها فلم تجد طريقًا ولا مكانًا تذهب إليه. حتى زوجها الذي يحبها جدًا ويُفضلها عن فننة لم يستطع أن يصل إلى عُمق احتياجها. ولم يستطع أن يشفي الداء الدفين داخلها.

لم تجد حنة إلا الرب لتذهب إليه، وتسكب نفسها أمامه بكل ما فيها. تبكي وتحكي وتشكي له. بكل الضغوط والمتاعب وإغاظة فننة لها. وحرمانها من الأطفال. ولما صلت، وتكلمت مع عالي تغير وجهها وتبدل قلبها. وهكذا يفعل الرب معنا عندما نأتي إليه ونسكب القلب أمامه، ويُرسل إلينا رجاله الأتقياء الذي قد لا يفهموننا جيدًا أو قد يتكلمون إلينا بكلمات عنيفة وصعبة؛ إلا أن الرب يستخدم كل هذا في تشكيلنا وتغييرنا ونمونا. لنصبح أواني نافعة له، وتصبح بيوتنا وأولادنا ملكًا له. فتكون النتيجة فرح وابتهاج وثمر عظيم.