يحتفل الملايين حول العالم بذكرى ميلاد الرب يسوع المسيح، تختلف مظاهر الاحتفال من مجتمع لآخر، ولدى البعض عادات وتقاليد مختلفة للاحتفالات، ويحرص الكثيرون على تبادل الهدايا والتجمعات العائلية. أيضًا، تُقيم كثير من الكنائس احتفالات “عيد الميلاد” لتسليط الضوء على السبب الرئيسي وراء تلك الاحتفالات السنوية، وهو ميلاد الرب يسوع المسيح العذراوي ومجيئه إلى عالمنا. «وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ...» (١تيموثاوس ٣: ١٦)، فما فائدة الاحتفال بعيد الميلاد من دون الاعتبار لصاحب عيد الميلاد نفسه.
وبالرجوع إلى تفاصيل قصة ميلاد الرب يسوع، هناك شخصيات جوهرية في تفاصيل تلك القصة، أريد أن اشارك معك يا عزيزي ببعض الأفكار البسيطة عن بعض من تلك “الشخصيات في ليلة الميلاد”.
١- العذراء مريم ونعمة “الاختيار”
كانت المُطوبة العذراء مريم، امرأة بسيطة من عموم الشعب، لكنها كانت تتسم بالبساطة والاتضاع والإيمان، فتجاوبت مع اختيار السماء لها بأن تكون أُم مسيح الرب من دون أي زرع بشري، فأطاعت تعليمات الملاك جبرائيل لها بالرغم من صعوبة الأمر اجتماعيًا وعائليًا «فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: “لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ”. فَقَالَتْ مَرْيَمُ: “هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ”» (لوقا ١: ٣٠، ٣١، ٣٨).
ما أعجب النعمة التي اتجهت إلى العذراء مريم واختارتها من بين كل النساء لتكون أمٌ – حسب الجسد - للرب يسوع؛ فصارت المُطوبة العذراء مريم أعظم امرأة على مدار التاريخ البشري كله. «فَقَالَتْ مَرْيَمُ: تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ» (لوقا ١: ٤٦-٥٠).
وهنا أُريد إن أتوجَّه بالكلام إلى كل من اتجهت إليهم نعمة الإيمان واختارتهم من بين الملايين من البشر لقبول المسيح كمخلص شخصي لحياتهم، لا بد وأن تكون مظاهر احتفالاتنا مُختلفة ومميزة عن باقي أهل العالم وأن تتوجه أنظارنا إلى صاحب عيد الميلاد نفسه «لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ.» (أفسس ٢: ٨، ٩)
٢- يوسف “البار”
وُصف يوسف النجار بتلك الصفة الجميلة وكأنها ملخص حياته، حياة البر العملية «فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارًّا...» (متى ١: ١٩).
ما أحلى أن تتسم الحياة بالبر العملي في كل تفاصيل الحياة، في السر قبل العلن. ما أقيم أن تُلخص الحياة بتفاصيلها في كلمة: إذ كان بارًا. ولنا في ذلك نماذج رائعة بطول الكتاب وعرضه، فعلى سبيل المثال وليس الحصر: أخنوخ السائر مع الله، وما أحلاها مسيرة في درب الحياة (تكوين ٥: ٢٤)، يوسف: رجل حكيم، بصير و فيه روح الله (تكوين ٤١: ٣٨، ٣٩)، داود: «وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي، الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي» (أعمال ١٣: ٢٢)، رجل يخاف الرب لم يذكر الوحي اسمه، لكنه ذكر طابع حياته و هو زوج المرأة صاحبة دهنة الزيت «أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَكَ كَانَ يَخَافُ الرَّبَّ...». (٢ملوك ٤: ١).
وماذا عني وعنك يا صديقي، إذا أراد من حولنا أن يصفوا حياتنا في كلمة أو طابع، يا ترى ماذا ستكون؟
هل فيك يرون يسوع؟
حياتك أمامهم سفر كذا المطبوع
٣- المجوس وتحدي الأخطار
لقد واجه المجوس تحديات كبيرة وكثيرة من أجل رؤية الملك المُنتظر وتقديم هداياهم الثمينة له، فساروا وراء النجم في السماء مسافة طويلة جدًا، وذهبوا إلى قصر هيرودس الملك متوقعين رؤية المولود الملك، لكن هيرودس خدعهم وطلب منهم البحث عنه وإعطاءه تقريرًا بذلك، لكنهم لم يفعلوا ذلك، بل خاطروا بحياتهم بحسب ما أوحي إليهم بعدم العودة إلى القصر والرجوع من حيث اتوا مباشرة.
أحبائي، إن تبعية المسيح قد تتطلب تحمل ومواجهة أخطار مختلفة، فهل نحن على استعداد لمواجهة التحديات من أجل تبعية المسيح؟ «وَقَالَ لِلْجَمِيعِ: إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي» (لوقا ٩: ٢٣). وما أحلى تبعية الرب، فهو بنفسه معنا، حتى لو واجهنا صعوبات وتحديات الحياة: «لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي. يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ» (مزمور ٩١: ١٤، ١٥). وما أقيمها نتائج لتبعية وخدمة السيد «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي فَلْيَتْبَعْنِي، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضًا يَكُونُ خَادِمِي. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ الآبُ» (يوحنا ١٢: ٢٦)