«الصلاة» كلمة محببة لنفس المؤمن، ولكن قد تبدو أيضًا عمل ثقيل لا نجيد القيام به كما ينبغي، ونشعر بملل وثِقل عندما نقضي وقتًا في الصلاة. وفي هذا المقال ومقالات قادمة -إن تأنى الرب- سنتطرق لذلك الموضوع. وقبل أن أتحدث عن أي أمر يخص الصلاة، أتكلم بحب عمن الذي نصلي له؛ لكي نبني على أسس سليمة. والسؤال الذي سأحاول الإجابة عليه هو:
هل مقبول أن نتحدث إلى الله على أنه أبونا؟
أيام وجود المسيح في الجسد على الأرض كانت بعض الأفكار عن الآلهة والتعامل معها، مختلفة وغريبة إلى حد ما. وللإيضاح أكثر، في سفر الأعمال ١٧: ١٨، بينما كان بولس الرسول في أثينا مهد الفلسفة نقرأ عن: «قَوْمٌ مِنَ الْفَلاَسِفَةِ الأَبِيكُورِيِّينَ وَالرِّوَاقِيِّينَ،». من هم الأبيكوريون والرواقيون أولئك؟
الفلاسفة الرِّوَاقِيِّينَ كانوا يؤمنون بأن الآلهة لا تشعر بأي مشاعر يشعر بها البشر. أما الأبيكوريون فاختلفوا قليلًا؛ فكانت السمة الرئيسية للآلهة عندهم أنهم في هدوء وسكينة ولا يتداخلوا في حياة البشر على الاطلاق، لكيلا تفقد هدوئها وسكينتها. أستشعِر التعجب لديك تجاه تلك الأفكار، ولكن كان هذا فكر الرومان السائد عن الآلهة حينذاك، وشتان الفرق بين ما كان لديهم وما لدينا نحن الآن من نور عن الله، الذي أعلنه الروح القدس في كلمته.
وفي هذا المقال سأتطرق لعلاقتنا في الصلاة مع الله أبينا. سأل واحد من تلاميذ الرب: «يَارَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا أَيْضًا تَلاَمِيذَهُ. فَقَالَ لَهُمْ: مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (لوقا١١: ١- ٢). كانت الكلمة الأولى في الصلاة «أبانا» صادمة في الثقافة آنذاك، لماذا؟ لأن الفكر الفلسفي أبعد الآلهة عن حياة البشر فهم لا يشعرون بهم أو يتأففون من التداخل في حياتهم. لكن لنا نحن الذين قبلنا خلاص الله وآمنا بعمل المسيح لأجلنا على الصليب لغفران خطايانا صرنا أولادًا لله (يوحنا١: ١٢) فنستطيع أن نتكلم إلى الله بلقب أبانا، «إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: “يَا أَبَا الآبُ”» (رومية٨: ١٥) .
وسؤالي الأول لك هل أنت ابن لله؟ الطريق لذلك موجود في يوحنا ١: ١٢، ١٣ «وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ الله». الطريق لكي تكون ابن في عائلة الله وتستمتع براحة ضميرك المثقل بالخطايا، ليس أن تولد من عائلة مسيحية، أو عائلة ثرية، أو أي شيء آخر، بل هو أن تقبل عمل المسيح على الصليب وتؤمن به، فيقول الكتاب: «أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِاسْمِهِ غُفْرَانَ الْخَطَايَا» (أعمال١٠: ٤٣)، هل تؤمن بذلك؟ إن كانت الإجابة ب «لا» أرجو أن تفكر في الأمر وتقبل الرب يسوع مخلصًا وربًا وتصبح ابنًا في عائلة الله وستستمتع بأبوة الله لك.
نستطيع كأبناء أن نقترب بحب وثقة نتحدث مع الله أبينا، وللأسف بسبب الخطية بعض الآباء سيئين ومُضرين لعائلاتهم ضررًا بالغًا؛ فتشوه مفهوم الأبوة عند البشر، وسمعت البعض يقول: «لو كان الله كأب مثل أبي فأنا لا أريد هذه الأبوة». ولكن أبوة الله التي أعلنها لنا الروح القدس تختلف تمامًا عن الصور المشوهة التي انتشرت بين البشر بسبب الخطية والثقافة الخطأ. فالله كأب كما أعلنه لنا الكتاب المقدس هو:
الآب يحبنا: «لأَنَّ الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ، لأَنَّكُمْ قَدْ أَحْبَبْتُمُونِي، وَآمَنْتُمْ أَنِّي مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجْتُ.» (يوحنا١٦: ٢٧)، تأمل في هذه الفكرة أن الله خالق الكون وكل ما فيه، يحبك محبة شخصية، محبة لا تتغير، محبة ثابتة. فافرح أنك ابن محبوب من الله.
الآب أعطانا الروح القدس: «فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ، يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ؟» (لوقا١٣: ١١)، قد يترك الأب لأبنائه ثروات طائلة، لكن لم نقرأ أو نسمع عن أب أعطى روحه لأولاده. فالمؤمنون الحقيقيون بالمسيح - وأرجو أن تكون منهم عزيزي القارئ- سكن فيهم الروح القدس «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟» (١كورنثوس٣: ١٦)، فاشكر الله أنه أعطاك روحه ليسكن فيك يرشدك ويقودك ويعزيك ويستخدمك.
الآب يعلم احتياجنا: «لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ» (متى٦: ٨). قد نجد صعوبة في التواصل مع الآخرين ولا نعرف كيف نعبِّر لهم عما بداخلنا، وإن عبَّرنا قد لا يفهموننا جيدًا، لكن ليس كذلك بالنسبة لله أبينا؛ فهو يعلم، ليس عندما نعبِّر عما بداخلنا، لكن قبلما نتكلم هو يدري ويشعر بنا. وعلمه يشمل كل جوانب حياتنا. أشاركك ما يعلمه عننا: «فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ كُلِّهَا. لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّه» (متى٦: ٣١-٣٤). فاطمئن؛ فأبوك يعلم ما بداخلك جيدًا، وإن أساء الآخرون الظن بك فهو غيرهم، هو أبوك الذي يحبك محبة غير مشروطة.
الآب يستجيب صلواتنا: تحدثنا عن علم الله باحتياجاتنا مهما كثرت لكن الله لا يكتفي بالعلم لكن عندما نطلب منه في الصلاة يُسر أن يعطينا «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآب بِاسْمِي يُعْطِيكُمْ إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (يوحنا١٦: ٢٣). فثق في قلب الله المُحب الذي يُسَرّ بالعطاء فسيستجيب لطلباتك حسب مشيئته الصالحة والكاملة والمرضية.
ما ذكرته عزيزي هو قليل من كثير عن الله أبينا الصالح والرحيم والحكيم، حافظ العهد والأمانة لكل الذي يحبونه ويحفظون وصاياه. وربما توجد طلبات لك لها سنين بلا استجابة إلى الآن، وهمس الشيطان في أذنك كثيرًا أين الله؟ ما فائدة صلواتك؟ أين الاستجابات؟ وقد تبدو أسئلة منطقية، لكن لا تصدق المنطق المسموم لعدو الله وعدونا. ثق في قلب أبيك السماوي الذي يمتلئ بأفكار سلام لا شر تجاهك، ولا تطرح ثقتك فيه التي لها مجازاة عظيمة (عبرانيين ١٠: ٣٥).