تتوالى تشكيكات الشيطان للمؤمنين البسطاء، مستخدِمًا في ذلك نخبة من المتطاولين والمستهزئين بأمور الله ومواعيده! واحدة من هذه التحديات هي التشكيك في مجيء الرب ثانية، بأساليب متنوعة! فهل يا ترى يتباطأ الرب عن وعده: «كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ» (٢بطرس٩:٣)؟ أم أنه أتٍ ثانية وقريبا جدًا؟
أولًا: هل فعلًا سيأتي الرب يسوع المسيح ثانية؟
إذا أردنا أن نُلخص العهد الجديد في كلمتين، نقول: إن المسيح قد جاء، والمسيح سيأتي. لقد جاء من ألفي عام متجسِدًا للخلاص، قال بنفسه: «وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يوحنا١٠:١٠). ولا بُد أن يأتي ثانية إتمامًا لوعده الأمين «آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا» (يوحنا٣:١٤). سيأتي ليأخذ مؤمنيه لبيت الآب، يأخذ عروسه للعرس والفرح الأبدي، ويتم المكتوب «وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ» (١تسالونيكي١٧:٤).
لكن هناك سببًا آخر يُحتِّم على المسيح أن يأتي ثانيةً، ألا وهو القضاء على الشر والأشرار. فلن يترك السيد أبدًا، الشر والأشرار يعربدون ويتطاولون على شخصه طويلًا «الَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِهِ، مَتَى جَاءَ لِيَتَمَجَّدَ فِي قِدِّيسِيهِ» (٢تسالونيكي١٠،٩:١).
ثانيًا: لماذا لم يأتِ المسيح حتى الآن؟
تهكم المتطاولين على الإنجيل قائلين: «أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟ لأَنَّهُ مِنْ حِينَ رَقَدَ الآبَاءُ كُلُّ شَيْءٍ بَاقٍ هَكَذَا مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ» (٢بطرس٤:٣). صحيح أن المسيح قال من حوالي ألفي عام إنه أتٍ، وأتٍ سريعًا! نعم، وهو لم ينسَ وعده أو تباطأ في مجيئه، أذًا ما الأمر؟
يرد الرسول بطرس بعدة إجابات:
١. «أنَّهُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الأَيَّامِ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ وَقَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟» (٢بطرس٣:٣). بمعنى أن سمة الأيام الأخيرة ظهور مستهزئين يرغبون في العيشة في الشر والنجاسة، وحتى يخدِّروا ضمائرهم ويطلقوا العنان لشهواتهم، يتنكرون لحقيقة مجيء الرب. فهم كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال من الصياد!
٢. ويظن المتهكمون أنه لن يحدث دينونة ولا قضاء قائلين: «كُلُّ شَيْءٍ بَاقٍ هَكَذَا مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ» ويرد عليهم الرسول بطرس قائلًا: لا، فلقد تغير كل شيء في الخليقة بالطوفان قديمًا، وقريبًا أيضًا سيتغير كل شيء في الخليقة بالدينونة العتيدة حيث «تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا» (٢بطرس ١٠،٤:٣).
٣. والسؤال: لماذا لم يأتِ المسيح حتى الآن؟ يرد الرسول بطرس قائلًا: «لَكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ» (٢بطرس ٩:٣). أذًا فربنا يسوع المسيح لا يتباطأ، لكنه يتأنى معطيًا فرصة لكل بعيد في خطاياه أن يتوب قبيل مجيء ربنا يسوع وضياع الفرصة وانصباب الدينونة.
ثالثًا: ما هو موقفك من مجيء الرب؟
يُقدم الروح القدس على فم الرسول بطرس نصيحتين هامتين إزاء حتمية مجيء ربنا يسوع المسيح القريب. النصيحة الأولى، وهي للمؤمنين، يقول لهم: «فَبِمَا أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟» (٢بطرس١١:٣). يا مؤمنين لا تضعوا قلوبكم على أمور وممتلكات وتفاهات قريبا كلها ستحترق بالنار، لأن هيئة هذا العالم تزول، وكل ما فيه يحمل سمات التدهور والانهيار. هذا لا يعني أبدًا أن نهمل أشغالنا ومهام حياتنا، لكن لا نضع قلوبنا عليها أو نعيش لأجلها وحدها. بل يجب أن نستثمر الوقت والجهد للعيشة فيما يرضي الرب أي «فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى».
والنصيحة الثانية، هي للخطاة البعيدين الذين للآن هم في خطاياهم، بل يستهزئون ويتضاحكون على مجيء الرب بالنكات وكلام الهزل! فيقول لهم: «وَاحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصًا «(٢بطرس١٥:٣). إن كان الرب يتأنى فلكي يعطيكم فرصة تلو الأخرى لكي يتوب الخاطئ، فالرب طويل الروح وكثير الرحمة، ينادي على كل بعيد في خطاياه بالتوبة والرجوع للمسيح المخلص «لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ وَإِلَى إِلَهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَان» (إشعياء٧:٥٥).
عزيزي قريبًا جدًا سيأتي الآتي ولا يبطئ. أرجوك لا تتأثر بتشكيك العدو وتهكّمات الأشرار، واقبل المسيح ربًا ومخلصًا، فتنال حياة أبدية قبل فوات الأوان. إخوتي المؤمنين ليكن كل منا مستعدًا مقدسًا ساهرًا، بل شاهدًا للمسيح حتى يجيء.