الحياة الآن أصبحت مملوءة بالأشياء المختلطة في المبادئ وفي الطعام وفي الشراب والثياب مثل “الكوكتيل” أو “الكوفي ميكس” والإنسان البعيد عن الله عبارة عن مجموعة من الصور المختلفة للخطية نستطيع أن نُسمي الخاطي من خلالها “خاطي مكيس”.
ولتوضيح هذه الفكرة تعالوا بنا نتأمل في قصة الإنسان الذي كان مريضـًا ومطروحـًا على بركة بيت حسدا والواردة في إنجيل يوحنا: «وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ “بَيْتُ حِسْدَا” لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. لأَنَّ مَلاَكًا كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَانًا فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلاً بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ. وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً. هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: “أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟” أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: “يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ”. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: “قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ”. فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ» (لوقا٥: ٢-٩).
هنا نرى الخطية مجسَّمة في صورة ثلاثية الأبعاد، ولا سيما في المُدَّة المَرَضـَّية الطويلة التي عانى منها هذا الرجل وهي ٣٨ سنة. ولكي نفهم هذه الصورة، تعالوا بنا نأخذ ثلاث معجزات شفاء في العهد الجديد، ونتأمل في المدة الزمنية لكل حالة، والتي فيها نرى في مجموع سنوات المرض لهؤلاء الأشخاص أنها تساوي المدة الزمنية لمرض هذا الرجل المريض أي ٣٨ سنة.
المعجزة الأولى شفاء نازفة الدم التي عانت ١٢ سنة (لوقا٨)؛ المعجزة الثانية شفاء المرأة المنحنيَّة بعد ١٨ سنة (لوقا١٣)؛ المعجزة الثالثة شفاء ٍإينياس المفلوج بعد ٨ سنوات (أعمال٩)؛ فالمجموع الكُلي ١٢+ ١٨+ ٨ = ٣٨ ومجموع هذه السنين معا يساوي ٣٨ سنة أي عدد سني المرض لهذا الرجل الذي كان مطروحـًا على بركة بيت حِسدا وفي هذه الحالات الثلاث نرى الخطية في ثلاث صور
الصورة الأولى: نازفة الدم
«وَامْرَأَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدْ أَنْفَقَتْ كُلَّ مَعِيشَتِهَا لِلأَطِبَّاءِ، وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُشْفَى مِنْ أَحَدٍ، جَاءَتْ مِنْ وَرَائِهِ وَلَمَسَتْ هُدْبَ ثَوْبِهِ. فَفِي الْحَالِ وَقَفَ نَزْفُ دَمِهَا» (لوقا٦: ٤٣-٤٤).
في قصة هذه المرأة نرى الخطية في صورة نـجـاسة، بحسب ما جاء في اللاويين: «وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ يَسِيلُ سَيْلُ دَمِهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً فِي غَيْرِ وَقْتِ طَمْثِهَا، أَوْ إِذَا سَالَ بَعْدَ طَمْثِهَا، فَتَكُونُ كُلَّ أَيَّامِ سَيَلاَنِ نَجَاسَتِهَا كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِهَا. إِنَّهَا نَجِسَةٌ. كُلُّ فِرَاشٍ تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ كُلَّ أَيَّامِ سَيْلِهَا يَكُونُ لَهَا كَفِرَاشِ طَمْثِهَا. وَكُلُّ الأَمْتِعَةِ الَّتِي تَجْلِسُ عَلَيْهَا تَكُونُ نَجِسَةً كَنَجَاسَةِ طَمْثِهَا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهُنَّ يَكُونُ نَجِسًا» (لاويين١٥ :٢٥-٢٧). وهنا نرى أن الخطية لا تجعل الإنسان نجسـًا فقط، بل كل ما يمسه من فراش أو أمتعة يكون نجسـًا أو حتى لو مسه، شخص آخر يتنجس.
الصورة الثانية: المرأة المنحنية
نرى الخطية في صورة عبودية. «وَإِذَا امْرَأَةٌ كَانَ بِهَا رُوحُ ضَعْفٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَتْ مُنْحَنِيَةً وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَنْتَصِبَ الْبَتَّةَ. فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ دَعَاهَا وَقَالَ لَهَا: “يَا امْرَأَةُ، إِنَّكِ مَحْلُولَةٌ مِنْ ضَعْفِكِ!”. وَوَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ، فَفِي الْحَالِ اسْتَقَامَتْ وَمَجَّدَتِ اللهَ. فَأَجابَ رَئِيسُ الْمَجْمَعِ، وَهُوَ مُغْتَاظٌ لأَنَّ يَسُوعَ أَبْرَأَ فِي السَّبْتِ، وَقَالَ لِلْجَمْعِ: “هِيَ سِتَّةُ أَيَّامٍ يَنْبَغِي فِيهَا الْعَمَلُ، فَفِي هذِهِ ائْتُوا وَاسْتَشْفُوا، وَلَيْسَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ!” فَأَجَابَهُ الرَّبُّ وَقَالَ: “يَا مُرَائِي! أَلاَ يَحُلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ ثَوْرَهُ أَوْ حِمَارَهُ مِنَ الْمِذْوَدِ وَيَمْضِي بِهِ وَيَسْقِيهِ؟ وَهذِهِ، وَهِيَ ابْنَةُ إِبْراهِيمَ، قَدْ رَبَطَهَا الشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَلَّ مِنْ هذَا الرِّبَاطِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ؟”» (لوقا١٣: ١١-١٦).
نلاحظ هنا أن الرب يقول عنها قد ربطها الشيطان ثماني عشرة سنة، أي عبودية قاسية للشيطان ولمدة طويلة.
الصورة الثالثة: إينياس المفلوج
«َوحَدَثَ أَنَّ بُطْرُسَ وَهُوَ يَجْتَازُ بِالْجَمِيعِ، نَزَلَ أَيْضًا إِلَى الْقِدِّيسِينَ السَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ، فَوَجَدَ هُنَاكَ إِنْسَانًا اسْمُهُ إِينِيَاسُ مُضْطَجِعًا عَلَى سَرِيرٍ مُنْذُ ثَمَانِي سِنِينَ، وَكَانَ مَفْلُوجًا. فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: “يَا إِينِيَاسُ، يَشْفِيكَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. قُمْ وَافْرُشْ لِنَفْسِكَ!”. فَقَامَ لِلْوَقْتِ. وَرَآهُ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ فِي لُدَّةَ وَسَارُونَ، الَّذِينَ رَجَعُوا إِلَى الرَّبِّ» (أعمال٩: ٣٢-٣٥).
وهنا نرى الخطية في صورة عجز كامل، يا لها من صورة محزنة فالإنسان يعجز عن عمل أي شيء يُرضي الله.
وبارتباط المدة الزمنية لهؤلاء الثلاثة الأشخاص مع المدة الزمنية لهذا الرجل المريض والمطروح عند بركة بيت حِسدا ولمدة زمنية طويلة، (بلغة الطب مرض مُزمن) نرى أن هذا الرجل تجمَّعت فيه هذه الصورة الثلاثية المُركَّبة معًا، والمُعَقَّدة، وإن جاز أن يُسمى “خاطي مركب” أو “خاطي ميكس ٣×١”.
فيا لهول ما عملته الخطية في الإنسان؛ فقد جعلته نجسـًا، مُستعبدًا، وجعلته عاجزًا. فبارتباطه بالجسد ورغباته صار الإنسان نجسـًا، وبارتباطه بالشيطان صار مٌستعبدًا، وبارتباطه بالعالم صار عاجزًا لا يستطيع مقاومته.
ولكن مهلاً عزيزي القارئ فالقصة لم تنتهِ عند هذا الحدّ، فقد جاء الطبيب العظيم خصيصـًا لهذا الرجل في مكانه وهو مطروح عاجز دون حراك، وهمس له بصوت عذب خفيف لطيف كله رقة وحنان: أتُريد أن تبرأ؟ وعندما تجاوب هذا الرجل مع نداء النعمة، قال له الرب يسوع على الفور: «قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ. فَحَالاً بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى».
عزيزي القارئ، إذا كنت تعاني من نجاسة الخطية فيوجد من يطهرك بدمه الكريم، وهو الرب يسوع المسيح، الذي قيل عنه: «وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (١يوحنا١: ٧) وأيضـًا: «هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ» (إِشعياء١: ١٨).
وإذا كنت تعاني من عبودية قاسية للشيطان ولرغباتك ونزواتك فيوجد المحرِّر العظيم، الرب يسوع المسيح الذي قال عن نفسه: «فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا» (يوحنا٨: ٣٦)
وإن كنت تعاني من عجز كامل لا تستطيع أن تخطو خطوة إلى الرب، فيوجد من يقول لك: قم واحمل سريرك.
فتعال للمسيح الآن لكي يطهرك ويحررك ويعطيك قوة للسير في طريقه للأمام. والرب معك