الصلاة في معناها البسيط هي صِلة وتواصل بيننا وبين الله أبينا، فهو يريدنا أن نقترب منه ويسمع أصواتنا. ونحن كأبناء نريد أن نقترب منه ونتحدث إليه. ربما تفكِّر عزيزي القارئ: طالما الرغبة في الحديث مشتركة فلماذا نعاني في صلاتنا، وبشق الأنفس نقضي الوقت في الصلاة أحيانًا. وسنتطرق في هذا المقال لبعض الأسباب التي تجعل الصلاة عملًا صعبًا على النفس وممِلًا بعض الشيء.
الاعتماد على الرغبة
وليس الشعور بالالتزام تجاه الصلاة
الروح القدس، في كلمة الله، يحرضنا ويحثنا على الصلاة، فقال الرب يسوع مثالنا الأعظم: «اِسْهَرُوا وَصَلُّوا» (مرقس١٤: ٣٨)، ويقول أيضًا: «يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ» (لوقا١٨: ١). لا يقول: متى جاءتكم الرغبة أن تصلوا فصلوا، أو إن أردتم أن تصلوا فصلوا، بل يقول: اسهروا؛ أي كونوا يقظين ومستعدين وصَلّوا، وحتى إن شعرتم بالملل فلا تتوقفوا عن الصلاة. الأمر ذاته يؤكده الرسول بولس فيكتب: «صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ» (١تسالونيكي٥: ١٧)، «وَاظِبُوا عَلَى الصَّلاَةِ سَاهِرِينَ فِيهَا بِالشُّكْرِ» (كولوسي٤: ١). فهو يدعو المؤمنين أن يُصلّوا في كل وقت وكل مكان، وأن تكون الصلاة عادة لديهم لا يتوقفون عنها.
فعندما أستيقظ في الصباح، أو قبل أن أخلد للنوم، أو إن كنت سأخدم أي نوع من الخدمة، أو كنت أواجه الصعوبات، أو أمام اتخاذ قرار؛ الصلاة في كل المواقف ليست Blan B، بل هي Blan A. وهي ليست طقسًا أفعله ليرضى الله عني، أو أُرضي ضميري؛ لكنني أشعر بضعفي وأريد أن أشارك أبي السماوي الأقوى، تفاصيل يومي وحياتي بكل تحدياتها. سأطلب رأيه ومشورته، سأصلي إذا كانت هناك رغبة، وسأصلي إن لم تكن هناك رغبة في الصلاة؛ فالروح القدس يلزمنا في الكلمة ألا نتوقف عن الصلاة.
الشعور بأن لا أحد هناك يسمعنا
واحدة من العقبات الكبيرة التي تواجهنا أثناء الصلاة أن ينتابنا شعورٌ أنَّ لا أحد يسمعنا، وهذا نتيجة تعاملنا مع الله بالعيان وليس بالإيمان. ولكن لا بد أن تكون مرجعيتنا في تعاملنا مع الرب هي كلمة الله وليس مشاعرنا أو عادات وتقاليد المجتمع – وإن كان يجب أن نحترم الكل. أما عن موقف الله تجاه صلاتنا؛ يقول كاتب المزامير: «يَا سَامِعَ الصَّلاَةِ، إِلَيْكَ يَأْتِي كُلُّ بَشَرٍ» (مزمور٦٥: ٢). الله يسمع صلواتنا، لكن تختلف الاستجابة حسب مشيئته في حياة كل واحد من أولاده. ليت هذا اليقين يملأنا: أن الله يسمع.
والله لا يكتفي بالسمع فقط فيقول الكتاب: «يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ» (عبرانيين١١: ٦). لا يقول إن الذي يأتي إلى الله: يشعر أنه موجود، بل يقول: يؤمن أنه موجود، وهذا ما يجب أن نتسلح به عندما نصلي. ولتتشبع أرواحنا بهذا اليقين أنه حاضر وفاعل ويجازي الذين يطلبونه.
الصلاة تحتاج لجهاد
من ضمن التوقعات الخاطئة عن الصلاة، ربما نتوقع أن نهيم دائمًا في حالة من الفرح والشعور بالبهجة عندما نصلي لله وهذا، يحدث أحيانًا، لكن الرسول بولس يخبرنا بصورة مختلفة : «يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَبَفْرَاسُ، الَّذِي هُوَ مِنْكُمْ، عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ، مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ بِالصَّلَوَاتِ». وفي اللغة اليونانية كلمة «مُجاهد» من ضمن معانيها “يقاتل من أجل أن يفوز بجائزة”، وأكيد من يصارع يبذل كل الجهد لكي يفوز. نحتاج أن نتحلى بتلك الروح في صلاتنا: أن نثابر ونجاهد ونجمع شتات النفس والفكر الذي بسهولة يقع في فخ الزيغان، ونحصر أفكارنا أمام الرب في الصلاة، ولا ندعها تذهب هنا وهناك، لكي تسير في طريق الصلاة. وقد يحتاج هذا الأمر إلى تدريب، وهو تدريب شاق؛ لكن طوبى لمن يتدرب ليصل لتلك البهجة التي يختبرها عندما يضع نفسه بالكامل بين يدي الله في الصلاة.
وقد فعل هذا بعينه المسيح في البستان في وقت من أصعب الأوقات عليه، جاهد في الصلاة وسكب نفسه أمام الأب: «وَخَرَجَ وَمَضَى كَالْعَادَةِ إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ.... وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى قَائِلاً:“يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي، بَلْ إِرَادَتُكَ”. وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ. ثُمَّ قَامَ مِنَ الصَّلاَةِ وَجَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ، فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا مِنَ الْحُزْنِ. فَقَالَ لَهُمْ: “لِمَاذَا أَنْتُمْ نِيَامٌ؟ قُومُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ”» (لوقا٢٢: ٣٩- ٤٦). ففي وسط معمعة الضغط النفسي والجسدي، بين مرارة الخيانة وجحود النكران من الأحباء، صارع كل ذلك وذهب ليصلي وينال المعونة من الأب.
زعل الله والضمير الناموسي
من ضمن التشوهات التي لدينا في نظرتنا للصلاة هي أنه لم نُصلِّ فالله “هيزعل” مننا؛ فنذهب للصلاة لأجل إرضاء ضميرنا الناموسي، فنتمتم ببعض الكلمات التي لا روح فيها، ونخلد للنوم. لكن الله الآب لا يريد هذا الاقتراب الأجوف، بل يريد الاقتراب الواعي لشخصه والإدراك الشامل لحضوره ونعمته؛ فيصير القُرب في الصلاة حُبًّا وصداقة وليس خوفًا وخشية من رد فعل الله.
التمحور حول الذات
عندما علّم المسيح تلاميذه الصلاة أعطاهم النموذج الموجود في متى ٦، ووضع «الله» في طليعة الصلاة؛ لكننا في الأغلب نعكس هذا النموذج وتكون كل صلاتنا لأجل نفوسنا وطلباتنا وننسى أن نطلب ما يخص الله، فأجد نفسي محصورًا في نفسي صباحًا ومساءً وبالتالي لن يكون هناك جديد في صلاتي إلا التكرار الممل.
أصلي لك لأجل نمو في حياة الصلاة الخاصة وتقدُّم أكثر وعيًا ونضوجًا لعرش النعمة لتدرك عظمة الإله الذي تتعامل معه فيحدث تغييرًا جذريًا في صلاتك.