وُلد الكاتب الروسي الشهير "ليو تولستوي" في أغسطس سنة 1828، ورحل عن عالمنا في نوفمبر سنة 1910، ومن مؤلفاته -التي يقرب عددها من المائة- يسعدني أن أشاركك باختصار بهذه القصة، والتي لنا بها درس ثمين.
كان باخوم، وهو قروى بسيط، يتمنى أن يمتلك قطعة هائلة من الأرض . وبلغه أن السيدة التي يعمل بمزرعتها تريد أن تبيع المزرعة بالتقسيط، فاشتراها. وأخصبت كورته. ثم اشترى قطعة أرض مجاورة بثمن بخس من جاره الذى كان يريد أن يرحل. فصار باخوم بين يوم وليلة وضحاها صاحب الخمسين فداناً.
وفى يوم من الأيام زاره صديق قديم، وسأله عن النجاح والسعادة؛ فأجاب باخوم: "أما عن النجاح، فلا بأس؛ لأنى أمتلك الآن عزبة مساحتها خمسون فداناً، تعطى محصولاً جيداً. أما عن السعادة فمفقودة؛ لأنى أتمنى أن تكون الخمسون مائة أو ألفاً، ولكن أصحاب الأراضي حولي لا يريدون التنازل عن أراضيهم". أجاب الضيف "إني عائد من بلاد على نهر الفولجاتا، حيث الأراضي فسيحة وخصبة، وأصحابها بسطاء؛ ويمكن الحصول على أراضيهم بسهولة".
صدق باخوم ما قاله صديقه، فباع كل ما يملك، وسافر مع خادمه إلى هذه البلاد. وهناك قدم لمشايخ القبائل هدايا فرحبوا به جداً. ولما سألهم عن ثمن الأرض عندهم، قالوا: ألف روبل عن اليوم الكامل(الروبل عملة روسية). سأل باخوم: ما المقصود باليوم الكامل؟ وكم فداناً يساوى؟ أجابوه: نحن لا نستخدم المقاييس التي عندكم، وإنما نُقدّر الأرض وثمنها بالمسافة التي يقطعها الإنسان في المشي فيها في اليوم الواحد، من شروق الشمس؛ ولكن عليه أن يرجع إلى النقطة التي ابتدأ منها قبل أن تغرب الشمس ولو بدقيقة واحدة، وهذه الأرض تساوى الألف روبل. أما إذا تأخر ولو دقيقة واحدة بعد غروب الشمس، يفقد الألف روبل والأرض معاً.
سُّر باخوم جداً، ودفع الألف روبل، واستعد لرحلة الغد، وبات يحلم بالأرض الفسيحة التي سيمتلكها غداً، وكيف هي فسيحة جداً. وفى الصباح الباكر وصل إلى المكان الذى عينوه للمقابلة. فقال له رئيس المشايخ: انظر كل هذا السهل الفسيح هو مِلك لك، ولكن حافظ على الشروط؛ فإما أن يصير المال لنا والأرض لك، أو تفقد المال والأرض معاً.
بدأ باخوم رحلته وهو يركض بمنتهى القوة، وكان كلما قطع مرحلة كبيرة وأراد الوقوف عندها تغريه خصوبة الأرض فيستمر في الركض. وظل يركض ويركض، إلى أن انتصف به النهار، واشتد به التعب؛ فجلس لحظات تناول فيها بعض الطعام وشرب بعض رشفات من الماء. ثم قام ليبدأ راجعاً. فأخذ يركض إلى الناحية الثانية، ولما رأى أن الوقت قد مضى أخذ يلهث إلى الناحية الثالثة.
وكان العصر قد أقبل، ففكر أن يعود إلى النقطة التي بدأ منها حتى لا يخسر الكل. ولكنه أحس بالتعب الشديد، وبدأ يخلع ثيابه قطعة فقطعة، حتى حذائه لم يطق أن يبقيه، فخلعه وجعل يركض وقدماه تمزقهما الأشواك والحجارة الحادة. ولما اشتد به التعب فوق الطاقة، فكر أن يجلس ليستريح ولو للحظات، ولكنه أبصر الشمس تنحدر نحو المغيب، فاستمد من ضعفه قوة، فجعل يركض ويركض وأنفاسه تخرج متدافعة، لا يكاد يرسل أحدها حتى يلاحقه الآخر.
وقبل أن يصل إلى سفح الجبل غابت الشمس؛ فخار واضطرب اضطراباً عنيفاً، ولكنه تذكر أن الشمس في السفح قبل القمة، وإذ ذاك كافح مرة أخرى، وأخذ يجرى ويجرى بكل ما لديه من بقايا خافتة من العزم والقوة.
ولما وصل قبل مغيب آخر شعاع من الشمس، استقبلته الجماعة بهتاف عظيم؛ وقال الرئيس لباخوم «هنيئاً لك قطعة الأرض الكبيرة جداً التي امتلكتها». وما أن مد باخوم يده ليصافح الرئيس حتى انفجر الدم من فمه، وسقط على الأرض. أسرع خادمه ليسعفه؛ لكنه كان قد صار جثة هامدة!
صديقي، صديقتي..
أؤكد لك أنك رأيت عشرات بل مئات ممن يشبهون باخوم هذا. بل أخاف أن تكون أنت باخوم عصرك؛ تركض وراء الأرضيات؛ للشهرة، للشهوة، للمال، أو المكيفات والمخدرات؛ تجرى وراء سراب في غباء روحي. تذكر ما قاله الرب للغنى الغبي (باخوم عصره) «يا غبى؛ هذه الليلة تُطلَب نفسك منك، وهذه التي أعددتها لمن تكون؟ هكذا الذى يكنز لنفسه وليس هو غنياً لله» (لوقا 21: 19،20).
أسمعك تقول لي: ولكن أين الطموح؟!.. أقول لك إنني لست ضد الطموح في حياتك مع المسيح، ولكن الطموح بدون المسيح المجروح يصير باطل الأباطيل (ارجع إلى سفر الجامعة). وتظل كلمات المخلص الذى بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الحاضر الشرير(غلاطية 1: 4)؛ تظل كلماته هي الأعلى والأبقى على مر السنين؛ اسمعه يقول لك «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟» (متى 16: 26). فهل تربح المسيح، ومعه تربح كل شيء؟! اركع وانت تقرأ الآن، وصلِ معي: صلاة يا ربى يسوع .. يا من لأجلى قد مات، وأنا عبد غارق في العالم والشهوات... ارحمني وسامحني على كل ما فات، ومتعنى بالعيشة معك في اللذات . . آمين.