جلس صديقنا الشاب وقد بدا على وجهه التشوق الشديد لمواصلة حديثه مع صديقه الشيخ الذي لطالما أنس لجلساته وحديثه وارتاح لرجاحة عقله وحكمته واستفاد من نصحه وإرشاده. فبدأ بالقول:
- ذكر أنك وعدتني بالحديث عن التعامل مع الأخرىن، والحقيقة أنني أشعر بمسيس الحاجة لأن أسمع في ذلك الموضوع.
* ولماذا أراك متحمساً بشدة للسماع في هذا الموضوع؟
- الحقيقة أنني مراراً أردت أن أكون سبب بركة لمن أتعامل معهم، فأخبر غير المؤمنين منهم عن المسيح المخلص، أو أكون سبب بنيان للمؤمنين منهم. لكني اصطدمت كثيراً بأنني لا أحسن التعامل مع الأخرىن.
* الواقع أن هناك بعض المبادئ الأساسية التي نتعلمها من الكتاب المقدس في التعامل مع الأخرىن، وبالتدرب على ممارسة تلك المبادئ سنصل إلى أسلوب تعامل بناء لنا وللأخرىن.
- إذاً أرجو أن تخبرني عن هذه المبادئ.
* إن أول مبدأ يجب أن تتعلمه يا صديقي هو ذلك الذي كان يتبعه الرب نفسه «مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ» (أعمال 20: 35).
- ماذا تقصد بذلك؟
* إننا بطبيعتنا كبشر نميل إلى الأخذ، فكل منا يسعي لما هو لنفسه. وحين يلتقي هذا الميل فينا مع ميل الأخرىن للأخذ، تخيل معي شكل علاقاتنا معاً.
- بالتأكيد ستكون متعثرة.
* وذلك لأن كل من الطرفين يسير في اتجاه معاكس للآخر. ولكن حين أبدأ بميل للعطاء؛ فأني أتجه بذلك تجاه من أتعامل معه، فتقترب المسافة بيننا وأتمكن بذلك من أن أتعامل معه بطريقة أفضل.
- لكن هل ليس لي حق الأخذ في علاقتي مع الأخرىن؟
* لم أقل ذلك مطلقاً يا عزيزي، بل إني أؤكد لك أنك بعطائك ستزداد أخذاً.
- وكيف يكون ذلك؟
* يقول الكتاب «النفس السخية (التي تعطي بكثرة) تسمن، والمروي هو أيضاً يروي» (أمثال 11: 25). فحين نكثر العطاء سيزداد تمتعنا بعطاء إلهنا من ناحية. ومن الناحية الأخرى، لا بد أن يولد عطاؤنا عطاءً في الأخرىن مع مرور الوقت وكثرة العطاء دون انتظار مقابل.
- هل تسمح بأن تخبرني ببعض النقاط العملية للعطاء؟
* إن لكل منا الكثير من الاحتىاجات التي يحتاج لسدادها في تعامله مع الأخرىن. ودعني أبدأ بنقطة مهمة وهي الحديث.
- ولكني دائماً أهتم بأن أكون متحدثاً لبقاً أجيد التكلم بما يمتع مستمعي.
* لقد بدأت من اتجاه خاطئ يا صديقي.
- ماذا تعني؟
* تخيل لو أن الطرفين المتحادثين تبنيا نفس اتجاهك، سيسعي كل منهما أن يتكلم أكثر؛ وبالطبع سيسمع أقل. هل تتوقع لمحادثة مثل هذه أن تكون متزنة أو مثمرة؟
- بالطبع لا.
* والكتاب يحثنا بالقول «ليكن كل إنسان مسرعاً في الاستماع مبطئاً في التكلم» (يعقوب 1: 19). وقد خلق الله لنا أذنين وفماً واحداً، وكأنه يريد أن يعلمنا من الطبيعة أن نستمع أكثر. والواقع أننا حين نميل أكثر للتحدث فنحن نعبر عن حبنا لأنفسنا، ولكن حين نسمع أكثر فإننا نعبر عن حبنا للأخرىن.
- لأول مرة أري الأمر من هذا المنظور. كنت أري المحادثة الأفضل أن أكون متكلماً حسناً، لكني أدركت الآن أن أكون مستمعاً حسناً.
* ولا تنسَ أن الله يستمع لنا كثيراً معبراً بذلك عن اهتمامه بنا وحبه لنا، وفي ذلك مثل يحتذي لنقدم للأخرىن سداداً لاحتىاج هام لديهم.
- لا بد أن عندك نصائح عملية للاستماع أيضاً.
* إن الكلام عن موضوع الحديث لم يزل طويلاً. ولذا أعتقد أننا يجب أن نعطي له وقتاً آخر لاستكماله. فقط أريدك الآن أن تفكر جيداً فيما تكلمنا، وتضع هذا الأمر أمام الرب في الصلاة لتبدأ تنفيذه عملياً.
- أعدك بذلك.
* إذاً إلى اللقاء قريباً لنكمل حديثنا.