لقد قيل إن الشخص الصابر هو الشخص الكامل. والعظمة الحقيقية لا تُري في النشاط والخدمة مثلما تُري في الصبر والاحتمال. وكان المسيح هو أعظم صابر على وجه الإطلاق.
لقد حُرم من أبسط الحقوق الطبيعية، لكن لم يشكُ أو يتذمر.
ولد في مذود إذ لم يكن له موضع في منزل. تربي فقيراً مع يوسف النجار في الناصرة مع أنه الوارث الشرعي لعرش داود. عاش بلا مأوي وليس له أين يسند رأسه. كان يبيت في الجبل الذي يدعي جبل الزيتون. جاءت علىه ليإلى شتاء ومطر. عاش بلا نقود وكان بعض النساء التقيات يخدمنه من أموالهن ورضي بهذا الوضع. عاش بلا ممتلكات، كان يستعير كل شئ ويتركه بعد ذلك. ظل لمدة أربعين يوماً جائعاً في البرية خاضعاً لإرادة الله ورفض أن يصير الحجارة خبزاً. عاش وحيداً بلا رفيق أو أنيس يفهمه ويشاركه مشاعره وأفكاره. وفي كل ذلك لم تُسمع كلمة تذمر واحدة تخرج من فمه.
تعب وخدم الجميع ولم يتأخر عن أي سائل أو محتاج، ومع ذلك فقد أبغضوه واحتقروه وعادوه بشدة. قال في المزمور «بدل محبتي يخاصمونني. . وضعوا على شراً بدل خير وبغضاً بدل حبي» (مزمور109: 4 5). ومع ذلك استمر يعمل الخير ولم تتوقف محبته. ولم ينتظر تقديراً أو مكافأة من الناس، بل احتمل جفاءهم وجحودهم.
عاش مرفوضاً وكان الرفض جارحاً لمشاعره. ولكنه لم يكُف عن العطاء. كان الرفض عنيفاً أحياناً إذ « كان إلىهود يطردون يسوع» (يوحنا 5: 16). ومرات حاولوا أن يقتلوه. فكان يجتاز في وسطهم ويمضي بكل هدوء ليواصل الخدمة في مكان آخر. وكانت لديه الطاقة النفسية والروحية ليفعل ذلك. لم تتولد فيه روح انتقامية كما أنه لم يخر أو يفشل في عمل الخير للنهاية. بلغ الرفض ذروته عند الصليب عندما صرخوا قائلين «اصلبه اصلبه». وعندما قالوا «ليس هذا بل باراباس لصاً». ووسط هذه المشاعر كان صابراً صامتاً وشعاره «إلىك يسلم المسكين أمره» (مزمور 10: 14).
رغم الخدمة المتفانية فإن النتائج كانت مفشلة. فمع أنه صنع آيات هذا عددها لكنهم لم يؤمنوا به، والذين آمنوا إذ رأوا الآيات لم يأتمنهم يسوع على نفسه. لقد تمت فيه النبوة «أما أنا فقلت عبثاً تعبت باطلاً وفارغاً أفنيت قدرتي ولكن حقي عند الرب وعملي عند إلهي» (إشعياء 49: 4).
في وطنه لم يعتد أن يصنع ولا قوة واحدة وتعجب من عدم إيمانهم (مرقس 6: 5). وكان يوبخ المدن التي صنع فيها أكثر قواته ولم تتب (متى 11: 20). لكنه في هذه أيضاً كان صابراً خاضعاً مستودعاً النتائج في بد الآب الحكيم قائلاً «أحمدك أيها الآب... نعم أيها الآ ب لأن هكذا صارت المسرة أمامك" (متى 11: 26).
احتمل بصبر كل التجريح والتجديف والكلمات الصعبة التي نطق بها علىه خطاة فجار. لقد قالوا عنه إلىس هذا هو النجار ابن مريم» (مرقس 6: 3) "«ليس هذا ابن النجار» (متى 13: 55 ). قالوا عنه «إنه مختل» ( مرقس 3: 21)، وإنه "به شيطان وهو يهذي" (يوحنا 10: 20). وأيضاً " إنك سامري وبك شيطان" (يوحنا 8: 48). وقالوا إن معه روحاً نجساً" (مرقس 3: 30) وإنه «ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين" (لوقا11: 15). وقالوا أَمِنَ الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح» (يوحنا 1: 46). وقالوا للمولود أعمي «نحن نعلم أن هذا الإنسان خاطيء» (يوحنا 9: 24). وفي المحاكمة قالوا عنه إنه «يفسد الأمه» و«يضلل الشعب» وإنه «فاعل شر». وبعد موته قالوا لبيلاطس «تذكرنا أن ذاك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم» (متى 72: 36).
احتمل كل أنواع الإهانات والآلام صابراً صامتاً. لقد شُتم لكنه لم يشتم عوضاً، وتألم لكنه لم يكن يهدد بعد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل0(1بط 2: 23). في المحاكمة كان «كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه»(إشعياء53: 7). وقد قال عن نفسه «أما أنافكأصم لا أسمع وكأبكم لايفتح فاه...لأني لك يارب صبرت »(مزمور 38: 13). في المحاكمة الدينية «لطم يسوع واحد من الخدم كان واقفاً»(يوحنا 18: 22). وعندما قالوا إنه مستوجب الموت «حينئذ بصقوا في وجهه ولكموه آخرون لطموه قائلين تنبأ لنا أيها المسيح من ضربك»(متى 26: 67). وفي المحاكمة المدنية لم يدافع عن نفسه بكلمة. أمام هيرودس وبيلاطس لم يجب بشئ حتى تعجب الوإلى جدا (متى 27: 12). وعندما أخذه بيلاطس وجلده كان صامتاً. وعندما ضفر العسكر إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه كان صامتاً. وعندما جمعوا علىه الكتيبه كان صامتاً. وعندما تكلم كانت أولي عباراته هي «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لايعملون ماذا يفعلون»(لوقا 23: 34).
ولايزال إلى الآن صابرا. لقد قال الآب له «اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك »(مزمور 110: 1). ولمدة ألفي عام لايزال صابراً منتظراً أن يأخذ مكانه و يتبوأ عرشه على هذه ألأرض. لقد أُهين على الأرض ولايزال الكثيرون يفترون علىه؛ لكنه يقيناً سيأتي ظاهراً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير وستنظره كل عين. وسيجلس على كرسي مجده ويكون ملكاً كبيراً على اكل لأرض. وتتحقق النبوة «أيها الرب سيدنا ماأمجد اسمك في كل الأرض».